بين تجربة «الإخوان» وأطفال «داعش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الصورة صادمة، والتحقيق الصحافي في الصحيفة العالمية يكشف عمق التحدي، الذي نواجهه. والحديث عن كيف يأخذ «داعش» الأطفال في سن السادسة أو السابعة لتحولهم إلى وحوش دامية!

ما يفعله داعش يفعله مثله باقي المنظمات الإرهابية، التي تعيث فساداً في الأرض العربية، كل بطريقته الخاصة. ومن هنا يأتي الخطر الأهم، الذي ينبغي أن نستعد له، ونحن نخوض الحرب ضد الإرهاب، ونقدم أغلى التضحيات، لكي نحافظ على بلادنا من هذا الوباء.

سننتصر على عصابات الإرهاب مهما كان الدعم، الذي تتلقاه من قوى الشر المعادية للعرب والعروبة والإنسانية، سينهزم الدواعش والإخوان وباقي العصابات، التي تنشر الفتنة وتشيع الدمار في أنحاء الوطن العربي. وسنقطع الأيادي التي تمتد للعبث بأمننا القومي.

سواء كانت تأخذ أوامرها من «حرس ثوري» أو من «خلافة مزعومة»! لكن انتصارنا المؤكد- بإذن الله- على هذه العصابات في ميادين القتال، لن يكون نهاية المعركة، ما نراه، وما مر بنا من خبرات سابقة يقول: إن الجزء الأهم في المعركة سيكون بعد ذلك، وسيستمر معنا لسنوات، وسوف يستلزم جهوداً لا تقل عن الجهود، التي نبذلها في ميادين القتال، وإن اختلفت الوسائل في هذه المواجهة الطويلة.

سنهزم الإخوان والدواعش ودعاة الطائفية وعملاء الحرس الثوري، وبقايا القاعدة وإخوتها-عصابات الإرهاب- لكن سيبقى أمامنا معركة لا بد أن نستعد لها جيداً ضد هذا الفكر المتطرف، الذي عاش معنا لمئات السنين، يخبو في أزمنة النهوض العربي، ثم يعود للظهور في أزمنة الفرقة والضعف وتكالب الأعداء ودعاة الفتنة.

أعتمد أننا في هذه المرة تعلمنا الدرس، وأن علينا أن نوحد الجهود، لمواجهة فكرية تستأصل هذا الفكر المنحرف، وتنشر الجانب المضيء في الفكر العربي، الذي كان أساساً للحضارة العالمية الحديثة، بينما هجرناه نحن لندخل في عصور ظلامية، بينما كان الغرب ينطلق من فكر «ابن رشد» إلى عصر الاستنارة، والعلم، والنهوض الشامل.

ويحتاج الأمر منا ومن غيرنا الكثير من البحث والجهد العلمي في هذا المجال، لكن ما أريد أن أقف عنده الآن هو ما بدأت به هذا المقال، وهي الصور الصادمة لأطفالنا، الذين يتحولون على أيدي عصابات الدواعش إلى وحوش آدمية! وأعود فأكرر: إن ما يفعله «داعش» كان يفعله الآخرون من عصابات الإرهاب وما زالوا! وإن كانت الطرق تختلف والأساليب تتنوع.

وأتذكر هنا التجربة المريرة في مصر منذ «الصلح المشؤوم»، الذي أبرمه الرئيس الأسبق أنور السادات مع الإخوان في السبعينيات من القرن الماضي، والذي كان بداية موجة الإرهاب، التي وصلت لذروتها الآن!

يومها اكتفى «الإخوان» بالمطاوي والخناجر لمواجهة الطلبة الوطنيين المسالمين في الجامعات، لكن الأمر لم يستغرق سنوات حتى كانت رصاصاتهم تقتل السادات نفسه، وتحاول الاستيلاء على الحكم، وتنشر المجازر في العاصمة حتى مدن الصعيد.

كان الأمر يتم تحت لافتات أخرى، بينما «الإخوان» يواصلون مخططهم، ويخفون عنفهم، ويعملون بكل جهد، وبدعم خارجي هائل، لكي يمسكوا بمفاصل المجتمع ومؤسساته.

وتذكرني صورة «أطفال داعش» بما شهدته مصر «ولا بد أنه تكرر في دول عربية أخرى» من جهود إخوانية للسيطرة على عملية التعليم خاصة في مدارس الأطفال سواء بتوجيه أعضاء الجماعة للكليات التي تعدهم للتدريس، أو بالتسلل لعملية اختيار المناهج الدراسية، أو باستقطاب الأطفال في سن صغيرة إلى «سنة أولى إرهاب» سواء داخل المدارس التي تخضع لإداراتهم.

أو باستغلال الأندية الرياضية، التي تسللوا إلى بعضها، أو من خلال المعسكرات، التي كانوا يقيمونها على الشواطئ في الصيف بمعرفة أجهزة الدولة الأمنية المتواطئة معهم، وفق سياسة عامة كانت تتصور أن هذا يخدم الحكم بإظهار الإخوان خصماً وحيداً كسباً لتأييد أميركا ودول الغرب، أو اعتماداً على أن الشعب لن يقبل حتى حكماً إخوانياً مهما كانت الظروف!

بعد خمس سنوات، وبعد اتضاح خيانة الإخوان وتآمرهم على الوطن، الذي لا يؤمنون به، ما زالت مصر تواجه آثار سنوات مصالحة الحكم المشؤومة مع الإخوان في السبعينيات، وسياسة الحكم الخرقاء، بعد ذلك في ترك الإخوان يتغلغلون في مؤسسات المجتمع.

ويستحوذون على عقول أعداد كبيرة من الأطفال في مدارس تابعة لهم أو مسيطرين عليها، ليتحول هؤلاء الأطفال بعد ذلك إلى أعضاء في شبكات الإرهاب أو خلاياها النائمة، وليكونوا قنابل موقوتة تنفجر في وجه الوطن

. من الإخوان إلى داعش وغيرها.. قضية تجنيد الأطفال تحتل مكانة متقدمة عندهم، وإن اختلفت الأساليب، وتنوعت الوسائل سنهزم كل عصابات الشر، وسنأخذ بثأر الشهداء، ونعيد الاستقرار إلى أوطان عربية دفعت الكثير وما زالت في المعركة ضد الإرهاب، وضد دعاة الطائفية، والمذهبية، وعملاء الخوارج، وأعداء العروبة، لكن سيبقى أمامنا الأهم، استئصال هذا الفكر الضال من جذوره بحركة إحياء الفكر العربي والإسلامي المستنير.

وسيبقى أيضاً أمامنا أن نواجه قضية جيل من الأطفال تعرض بعضه لمآسي التشرد، وقسوة الحروب، وأثمانها الباهظة، وتعرض بعضهم الآخر لغسيل المخ على أيدي الخارجين على الدين والإنسانية، الذين يحولون أطفالاً أبرياء إلى مشروعات لإرهابيين قتلة. ستنهزم كل عصابات الإرهاب والخوارج ودعاة الفتنة وعملاء الدول الكارهة للعروبة المعادية لها.

وسنعيد لليمن وحدته واستقراره، وسننقذ سوريا والعراق وليبيا من جحيم المؤامرة، لكن ستبقى بعد ذلك المهمة الأكبر، استئصال الفكر الضال والمنحرف، وإنقاذ آلاف الأطفال، الذين أعدتهم عصابات الإرهاب ليكونوا دواعش للمستقبل. درسنا مع «الإخوان» وإجرامهم ينبغي ألا يتكرر، لا مع داعش، ولا مع غيرها!

Email