مع ترامب أو كلينتون.. الأزمة مستمرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل ثماني سنوات، كانت المفاجأة في انتخابات الرئاسة الأميركية من جانب الحزب الديمقراطي، حين شاهدنا سباقاً محموماً بين أوباما وهيلاري كلينتون على نيل ترشيح الحزب، وكان واضحاً أن الفائز منهما سيهزم مرشح الحزب الجمهوري، وسيكون الرئيس، وسيسجل سابقة في تاريخ أميركا، سواء بأن تكون هيلاري أول سيدة تحكم أميركا، أو أن يكون أوباما أول رجل أسود يحتل البيت الأبيض، وهو ما حدث بالفعل.

ولم يكن الأمر في رأي العديد من المراقبين، مجرد مصادفة، بل كان تعبيراً عن إدراك الطبقة السياسية أو المؤسسة، كما يسمونها، في أميركا، بأن المواطن الأميركي قد أصابه الملل من اللعبة الانتخابية بوجوهها المعروفة.

وبأنه لا بد من تغيير كبير يعطي للنظام الأميركي المزيد من الحيوية التي يحتاجها، ويعطي لـ «المؤسسة» الفرصة لتطوير أدواتها، ويعطي للعالم صورة جديدة أكثر جاذبية للديمقراطية في أميركا.

بعد ثماني سنوات من حكم أوباما، تجد أميركا نفسها أمام انتخابات رئاسية فريدة، قد تكون فاصلة في تحديد النظام الأميركي لعقود طويلة مقبلة.

تجربة أوباما (بنجاحها وفشلها)، قلبت الأوضاع رأساً على عقب، نجح أوباما في الداخل، خاصة في العبور من أسوأ أزمة اقتصادية مرت بها أميركا منذ سنوات طويلة، وتركت آثارها على العالم كله.

أما في السياسة الخارجية، فقد واجهت خطته للانسحاب من المواجهات (وخاصة مع إيران)، اعتراضات كثيرة، وتسببت مع سياساته في سوريا ودول الربيع العربي ورهانه على حكم الإخوان، في أزمات مستمرة مع العالم العربي، مع حلفائه في أوروبا، وانتقادات في الداخل الأميركي.

لكن الغريب بالفعل، أن أوباما، الذي تصورت الطبقة السياسية الحاكمة (أو جزء كبير منها)، أنه سيعطيها المزيد من الحيوية لتشدد قبضتها على مقاليد الحكم في الدولة الأقوى في العالم، تنتهي اليوم، والطبقة الحاكمة (أو المؤسسة) تمر بأزمة، كانت تكاد تشبه إعلان الإفلاس، وترك أميركا تبحث عن البديل!!

في الحزب الديمقراطي، كانت هيلاري كلينتون (وما زالت)، هي الرهان الأساسي لـ «المؤسسة»، وهي تتصدر السباق، وفي طريقها لحسمه لتكون المرشح الأبرز في سباق الرئاسة بعد ستة أشهر.

كان ذلك يمكن أن يكون مرضياً للمؤسسة الحاكمة، لولا بروز السيناتور ساندرز، الذي ما زال مستمراً في المنافسة حتى الآن، الرجل قادم من خارج المؤسسة، ويمثل أقصى اليسار في الحزب الديمقراطي، ويطرح أفكاراً، يمكن وصفها بأنها أفكار اشتراكية، ويهاجم فساد الطبقة الحاكمة، والتفاوت الطبقي الكبير.

ولم يكن أحد في الحزب يتصور أن يكون هذا العجوز الذي تخطى السبعين بسنوات، منافساً رئيساً على ترشيح الحزب، ولا أن يستقطب جموع الشباب، معتمداً على نفس أسلوب أوباما في تمويل حملته الانتخابية من الدولارات القليلة التي يتبرع بها أنصاره، بعيداً عن أموال أثرياء الحزب.

وفي الأغلب، ستحصل هيلاري كلينتون على ترشيح الحزب بدعم قياداته، لكن سيبقى التيار المناصر لساندرز، والأفكار التي طرحها، والتأييد الذي ناله، علامات على أن ما كان لن يعود، وأن على الحزب أن يتغير سريعاً وعميقاً، وإلا، فإنه سيواجه أزمة كبيرة، هذا إذا استطاع الآن أن يستعيد هذه الأجيال الجديدة في الانتخابات المقبلة، لتعطي الحزب فرصة جديدة بمنح أصواتها للسيدة كلينتون.

أما الحزب الجمهوري، فورطته أكبر، تهاوى كل رموزه وخرجوا من الانتخابات الداخلية للحزب، واحداً بعد الآخر، تاركين المجال لمن كان يوصف قبل شهور قليلة، بأنه «المهرج» صاحب المليارات، الذي دخل الانتخابات بالخطأ، بحثاً عن المزيد من الأضواء بتصريحاته الصادمة والعنصرية، التي تهدد بطرد المكسيكيين.

ومنع المسلمين من دخول أميركا، والتي تمزج البذاءة بالحماقة، وتهاجم الجميع، يساراً ويميناً، فرص «ترامب»، الذي لم يمارس السياسة قبل ذلك، ولم يتولَ أي منصب سياسي في حياته، يجد نفسه مرشحاً وحيداً بلا منافس، رغم أنف قادة الحزب، الذين توزعوا بين رافضين لما حدث، أو رافضين له، حتى ولو تركوا الحزب أو اعتزلوا السياسة!!

لم يكن في الأمر شيء من العبقرية، بل خطاب شعبوي أشبه بالخطابات الفاشية، يعد بعودة عظمة أميركا، وبسيادة الجنس الأبيض، وحمايته من خطر الأقليات، والخروج على نظام التجارة العالمي، لتعود المصانع التي أغلقت أو نقلت نشاطها للخارج (مثل السيارات)، للعمل داخل أميركا، ومعها ملايين الوظائف للأميركيين فقط، وللبيض، إن أمكن!!

وأياً كان الأمر في الانتخابات بعد شهور، فإن آثارها ستبقى طويلاً في الحياة السياسية الأميركية، الحزب الجمهوري لن يعود كما كان مطلقاً، والحزب الديمقراطي سيواجه ثورة من الداخل، لا أحد يعلم إلى ماذا ستكون، والطبقة السياسية الحاكمة أفلست، ولا بد من التجديد، إذا فاز ترامب، فستكون كارثة بكل المقاييس.

وإذا فازت كلينتون، وهو المتوقع، فإن نظرة إلى مساعديها، تقول إن قدرتها على التجديد محدودة، وستبقى أميركا في حاجة إلى تحرك جاد، يخرجها إلى فضاء سياسي جديد، ويبقى السؤال: هل هي نهاية نظام الحزبين؟ وإلى أين يقود أميركا ذلك إذا حدث؟!

Email