وردة من الناصرة الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

»بيتي ليس حجارة وأبواباً، بل شرود الورد وأحواض النعناع والزعتر والريحان المُطلّ على فلسطين.. تعلوه شبابيك للانتظار، وشرفة للعودة إلى الحنين وإليك. هنا صباحاتي تُطل على مرج ابن عامر مع فنجان قهوة فلسطينية مُهيّلة بالهيل.

تمتزج فيها الأنفاس بعطر نوّار الليمون الطالع من البساتين، هنا الأفق يمتد من عينيّ إلى المدى المفتوح على الجمال.. صباحكم نوّار الليمون وطرطقة فناجين القهوة وفيضاً من الألوان والحب والجمال، رغم أن الشمس مختفية وراء الغيم، لكني مازلت أرى الأرض التي تنتظر المطر.

وبيتي وبستان الدار وبلاد لا تعرف الفرح إلا إن عاد أهلها..« هكذا قال الشهيد، وهذا ما كتبته ابنة الناصرة ريم بنا التي يسمونها مغنية ملتزمة بقضية وطنها فلسطين وأنا أسميها منشدة تراتيل وطن سلبه اليهود من أهله العام 1948 من خلال ما مارسته العصابات الصهيونية من شتيرن إلى الهاجاناة إلى ليحي، تلك العصابات التي أنشأتها الحركة الصهيونية ..

وترعرعت بل تغاضت عن نشاطاتها حكومة الانتداب البريطاني. وهي نفس العصابات التي أصبح قادتها زعماء للكيان الإسرائيلي الذي حل محل فلسطين في المحافل الدولية ولاحقاً بالعربية لكنه لم يحل أبداً محلها في الوجدان العربي والفلسطيني.

في فلسطين المحتلة عام 1948 الآن حوالي مليون وسبعمائة ألف فلسطيني يشكلون 20,7% من سكان ما يسمى »إسرائيل«. ويشكلون أيضاً شوكة في حلق فكرة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين.

هؤلاء فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، حملوها لكنهم رفضوا أن يكونوا إسرائيليين وأصروا على عروبتهم وفلسطينيتهم رغماً عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبعض الدول العربية غير المتحدة !

الأسبوع الماضي روت ريم بنا على صفحتها في الفيسبوك ما جرى معها في مطار اللد المسمى مطار بن غوريون لدى عودتها من فاماغوستا القبرصية حيث كانت ضيفة الشرف في حفل »ليلة فلسطينية« أقامته جامعة شرق المتوسط.

قالت إنه تم تفتيش حقيبتها تفتيشاً دقيقاً وتم تأخير ركاب الطائرة لساعات. سألها المحقق:هل كنت في فاماغوستا وهل حضرت الحفل؟ قالت: نعم. قال:إذن التقيت طلبة فلسطينيين؟ تقول ريم أجبته: نعم فهم أبناء شعبي.

قال: أنت إسرائيلية وتحملين جواز سفر إسرائيل. قالت له: لا أنا فلسطينية.. عربية فلسطينية وهذه بلادي. لم يجبها. صمت ومضت إلى بيتها في الناصرة تسقي شتلاتها الجميلات على شرفة بيتها القديم المطل على الجليل وتحتسي قهوتها الفلسطينية.

درست ريم بنّا الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في موسكو وتخرجت عام 1991 بعد 6 سنوات أكاديمية درست خلالها الغناء الحديث وقيادة المجموعات الموسيقية. لها عدة ألبومات موسيقية يطغى عليها الطابع الوطني كما أنّ لها عدة ألبومات أغاني للأطفال.

ولها أيضاً العديد من المشاركات في احتفاليّات ونشاطات عالمية لنصرة حقوق الإنسان. يتميز أسلوبها الموسيقي بدمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية.

تتصف أغاني ريم بأنها فريدة من نوعها هذا لأنها تؤلف معظم أغانيها، كما أن لديها طريقة موسيقية مميزة في التأليف والغناء. وكلمات أغانيها مستوحاه من وجدان الشعب الفلسطيني ومن تراثه وتاريخه وثقافته. أما الموسيقى والألحان نابعة من صلب القصيدة وروافدها ومن الإحساس بإيقاع الكلمة.

ويأتي تمازج الكلمات والألحان معاً ليحملنا إلى ما وراء حدود فلسطين ليصل بنا إلى جميع أنحاء العالم. وتعبر أغاني ريم عن معاناة الشعب الفلسطيني وهواجسه كما تعبر عن أفراحه وأحزانه وآماله. ومن أبرز الأنماط الغنائيّة التي انفردت ريم بتقديمها، هي التهاليل التراثيّة الفلسطينيّة التي تميّزت بأدائها والتصقت باسمها.

استوقفني في حكاية ريم بنا حالياً المشروع الذي تتداوله أوساط رسمية إسرائيلية بضم الأراضي المحتلة العام 1967. تفاصيل المشروع نشرته صحيفة »معاريف« العبرية في عددها الصادر الأحد الماضي.

وتنقل عن إلدار ليفي الذي ينتمي إلى حزب »الليكود« الحاكم، قوله إنه حصل على تعهدات من وزراء ونواب الحزب ومن قادة حزب »البيت اليهودي« اليميني المتطرف، بأن يتم سن قانون يشرع ضم الضفة الغربية، على اعتبار أن هذا المشروع »سيكون على رأس أولويات كتل اليمين البرلمانية«.

وتقول الصحيفة إن ما ورد على لسان إلدار لقي تأييداً من نائب وزير الحرب الحاخام إيلي بن دهان، القيادي في »البيت اليهودي«. بن دهان قال في احتفال نظم في الخليل، إن »ضم يهودا والسامرة (الاسم العبري الذي يطلق على الضفة الغربية) هو أمر الساعة.

(لأن) الظروف الإقليمية والدولية تسمح بذلك«. وتقول الصحيفة أن وزراء بارزين، مثل وزير التعليم نفتالي بنيت يقترحون ضم الضفة الغربية »بشكل متدرج«، بحيث يتم في البداية ضم مناطق »ج«، التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية. وتنقل »معاريف« عن بنيت قوله: »مناطق ج تضم 400 ألف يهودي و 70 ألف عربي، وسنعرض على العرب إما الحصول على المواطنة الإسرائيلية أو حق الإقامة«.

التوسع الإسرائيلي اعتبره الكاتب والباحث حلمي الأسمر بداية تفكيك إسرائيل منوهاً بالأرقام والمعطيات الديمغرافية في فلسطين التاريخية التي تؤكد أنه بحلول العام 2020 سيشكل الفلسطينيون نسبة 54% من سكان كل فلسطين.

أرى من جانبي أن الأمر ليس فقط بداية تفكيك إسرائيل بل بداية نهاية المشروع الصهيوني. فلا القوة ولا الأمر الواقع منعا ريم بنا من أن تصرخ في وجه المحقق الإسرائيلي: أنا لست إسرائيلية.. أنا فلسطينية.. أنا عربية فلسطينية !

 

Email