الإعلام الجديد وآفاق للعمل والتطوير المهني

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأننا مازلنا نطلق عليه مصطلح «الجديد» فسيبقى محوراً للنقاش والاجتهاد، وستبقى آفاق جديدة لاستخدامه تكتشف يوماً بعد يوم، وإذا لم يتم طرح الأوجه الإيجابية الجاذبة لاستخدامات «الإعلام الجديد» فلا شك أن الجانب الآخر للاستخدام سيكون حاضراً، وهو ما سيجعلنا ننتقل من الاستفاضة في الحديث عن هذا الوافد السلبي للحديث عن مجالات يمكن توظيفه من خلالها، خاصة وأن حضوره على طاولة الاستخدامات يتعاظم يوما بعد يوم، سواء على النطاق الدولي أو الوطني..

وهو ما أكده تقرير «نظرة على الإعلام الاجتماعي في العالم العربي»، والصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، من أن استخدام موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» بنسبة تصل إلى 54% في المجتمع الإماراتي، مما يجعل الإمارات في المركز الأول عربيا من حيث مدى انتشار استخدام الموقع بها، وأن تطبيقات الإعلام الاجتماعي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث الاعتماد عليها كمصادر للأخبار في البلدان العربية بنسبة وصلت إلى 27.5%.

والحق أن هذا الزائر الجديد، الذي أشبعناه نقدا وأغرقنا في الخوف من تبعات التعامل معه أحيانا كثيرة، له جوانب من الأهمية بمكان النظر إليها، لا تقتصر على الجانب الإخباري فحسب ولكن في مجال العمل الحر، ما يجعله رافعة من رافعات التنمية في المجتمع وجناحا ثالثا من أجنحتها إلى جانب المؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة، مما يعظم من قيمته تحديدا بين الشباب وطلبة الجامعة.

فتلك التي جاءتني بفرحة كبيرة تقص علي كيف أن مشروعها الذي جعلت من مسكنها مركزا له لإعداد وجبات الطعام وتوصيلها إلى البيوت بالطلب دون أن تتكلف عمالة وإمكانات غير سيارة وسائق وأنها تحقق أرباحا تغطي إعاشتها ووالدتها وتكاليف دراستها، وأخرى تعرض تصاميمها للعباءات وتنفذها لمن ترغب قطعة بقطعة..

وثالثة تقوم بجلب مستلزمات لمن يريدها من الخارج وتوصيلها اليه حيث يكون، والأمثلة أكثر من أن تحصى لكنها تؤكد على أنها أصبحت وسيلة ناجزة لمد الشباب بسيل من المعلومات عن متطلبات سوق العمل وعما يحتاج إليه الناس..

وكذلك المواصفات التي يطلبونها، وغيرها من المعلومات التي يمكن على أساسها بناء مشروعاتهم الصغيرة في رأسمالها غير أنها كبيرة بحجم السوق المفتوح بغير حدود، في الوقت الذي لا يكلفهم الوصول إليه الكثير من النفقات، هذا السوق الذي يتسع باتساع ذلك الفضاء، ولا يحده إلا ما يضعه صاحب العمل ذاته..

كما تفتح الفرصة للتجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، وخاصة الأعمال اليدوية والمشغولات، وتسويقها بالطلب، وهو ما من شأنه أن يفتح المجال أمام المشروعات الصغيرة لدخول سوق العمل بعيداً عن منافسة لا يقدرون عليها في الأسواق التقليدية.

وإذا كان سوق العمل على أرض الواقع يضن في بعض الأحيان على فئة من المجتمع لا تستطيع الانخراط فيه بفعالية، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن الإعلام الجديد بتطبيقاته يفتح الباب أمامهم على مصراعيه للمشاركة ومنحهم الشعور بالقدرة على العطاء والتحدي والتميز، وهو ما يمثل شكلاً مهماً للتأهيل النفسي عبر بوابة العمل والعطاء وإعطاء قيمة ومعنى لحياتهم.

كما أن تطبيقات الإعلام الجديد تفتح المجال واسعا أمام كل راغب في الارتقاء بمهارته أو اكتساب مهارة جديدة، فلم يعد التعلم حبيس قاعات الدراسة أو الأشكال النظامية منه، ألم يصبح موقع «اليوتيوب»، الأكثر شهرة عالمياً من حيث إتاحة التعلم غير النظامي في كافة المجالات من خلال مقاطع مصورة شديدة الوضوح، يمكن الكثيرين عن طريقها اكتساب مهارات حتى في مجال البرمجيات.

كما أن شبكات الإعلام الجديد تتيح قدراً من التواصل بين أصحاب التخصص الواحد ويتيح لهم تبادل الأفكار وتعميق الخبرات مختصرة الزمن والمسافة وبعيدا عن اعتبارات العمر أو النوع أو العرق، إنه إعلام يقوم على لا مركزية تبادل الاتصال بين الأطراف المشتركة فيه، فهو يعتمد مصادر مفتوحة لتبادل المعلومات والآراء، ويستطيع كل مستخدم أن يغذي عملية الاتصال بما لديه من المعلومات والمحتوى.

إن الدور الذي يقوم به الإعلام الجديد في المجالات العلمية والثقافية والمهنية وفتح آفاق جديدة للأعمال لا يقل عن دوره الاجتماعي..

وهذا يتطلب من كافة الفئات الفاعلة اجتماعيا، ابتداء من الأسرة والمؤسسات الأهلية وكذلك الإعلامية، تشجيع المبادرات الإيجابية في هذا الجانب خاصة بين الشباب، وإلقاء الضوء على النماذج التي نجحت في فتح آفاق غير متوقعة وأصحاب المشروعات باعتبارهم نماذج يقتدى بها.

وإذا كنا قد وجدنا أنفسنا في شباك وسائل الإعلام الجديد ولم يكن لنا دور تحديد طبيعتها فلا أقل من أن نعمل على تطويعها لخدمة أبنائنا ومجتمعنا، وبذلك نجعل من استخدامها قيمة وضرورة لعملية البناء والتنمية.

 

Email