يوم أن أضعت محفظتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا لو أضعت محفظتي ذات يوم؟، وبداخلها جميع الثبوتيات الشخصية، بطاقات الأحوال المدنية، ورخصة القيادة، وبطاقات الائتمان، فبعدم وجود هذه الوثائق أنا فاقد للهوية ومجهول، والتصرف السليم في هذه الحالة، أولاً سأفكر أين أضعتها، وأحاول البحث عنها في كل مكان، وثانياً في حال تمنعت الظروف ولم أجدها سأستنجد بالدوائر الحكومية لكي يتم إصدار بطاقات بدل فاقد، الأمر الذي يتطلب مني وقتاً وجهداً ومتابعة وتحمل؛ وعلى الرغم من المعاناة والأرق الذي سيصيبني، إلا أنها فرصة لأن أغير صورتي القديمة المدونة في السجلات، وأحدثها بصورتي الجديدة الأكثر رشاقة وإشراقاً.

هذا هو الوضع إن كنا نتحدث عن محاولة إثبات شخصية فرد، وإصدار جميع الثبوتيات الخاصة به، ليمارس حياته بشكل طبيعي ويتم التعرف إليه أينما ذهب، فما بالكم إن كنا بحاجة إلى إثبات شخصية أمة بأكملها؟، فقدت هويتها، وشهادة عزتها، وجواز عروبتها، ودفتر دينها، فالأمر ليس بالأمر البسيط، ومحاولة إصدار هذه الثبوتيات أمر في غاية الصعوبة، خصوصاً أن في حالتنا هذه نحتاج إلى إقرار رسمي ودولي ليس من الحكومات والمنظمات بل من الشعوب أنفسها، لنعرفهم بمن نحن بتاريخنا وحاضرنا، ومستقبلنا الذي نتطلع إليه.

بعد أن شهد العالم موجات عالية من الإرهاب خلال السنوات الماضية، ونادى بعض من شعوب الغرب بوجوب طرد المسلمين من بلادهم، إلى أن أصبحت هذه المطالب تشكل ثقلاً في مطالبات العديد من السياسيين في أوروبا وأميركا، ولا نقصد مطالبات مرشح الرئاسة الأميركية «ترامب» فقط، وإن كان على رأسهم..

وهذه المطالب لا تعد دعاية انتخابية بل أساسها هو مطالب الشعوب، فهم من أجبروا السياسيين على استغلال هذه الأحداث لمصالحهم، ولا نستطيع أن نمنعهم، فنحن بالنسبة إليهم مجهولون، وما نحتاج إليه مراجعات كثيفة لإعادة إصدار ما يثبت أننا أمة السلام، ورسالة محبتنا تبدأ بـ «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

ظاهرة «الإسلامفوبيا» ردة فعل طبيعية لدى شعوب الغرب، وإن كنت أشاهد الكثيرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يطالبون الكُتاب والمفكرين بضرورة الرد على الإساءة التي نتعرض لها كمسلمين أو حتى كعرب جراء نسبة الإرهاب للدين الإسلامي وخوف الناس من المسلمين..

لكن هذه ردة فعل طبيعية، فالصورة التي نصدرها نحن هي ما تصلهم، وما إن نرسل لهم صوراً عن حضاراتنا الممتدة عبر التاريخ حتى يصيبهم حالة من الاستهجان، ومن الممكن أن يكون إعلامهم هو المتسبب في هذه الحالة، أو ربما هي مؤامرة كما يظن البعض، لكن في حقيقة الأمر أن السبب الرئيس هو أننا «نحن» المقصرون..

لأننا لم نعمل على إثبات هويتنا، وإصدار بدل فاقد لتاريخنا وقيمنا التي ضاعت تماماً في المائة عام الأخيرة، وهي فرصة لأن نغير صورتنا القديمة بصورة جديدة تتناسب مع متغيرات العصر ومتطلباته. وأول خطوة بعد العمل على أثبات هويتنا هي أن نعرف العالم بها، وأن نرسل للعالم رسالة جديدة تحمل مضامين سلامنا، لتعرفهم بتاريخنا وموروثنا وحتى رؤيتنا ومستقبلنا..

وقد أطلق الأردن «رسالة عمّان»، في عام 2004، وجاءت الرسالة للتوعية بجوهر الدين الإسلامي الحنيف وحقيقته، الذي قدم للمجتمع الإنساني أنصع صور العدل والاعتدال والتسامح وقبول الآخر ورفض التعصب والانغلاق، هذه الرسالة التي لم تصل للعالم بالصورة التي تستحقها، على الرغم من أنها رسالة تثبت هويتنا..

وما نحن بحاجة إليه في هذه الأيام أن تتكاتف جهودنا العربية لنرسل رسائل بالجملة محملة بالمعاني والقيم التي نريد أن ترسخ في أذهان شعوب العالم، رسالة يتبناها السياسيون والإعلاميون والكتاب والمثقفون، وحتى الشعوب.

أنتم تعلمون أن مكون الشعوب العربية في الأساس هي العشائر والقبائل، وقد تعلمنا من مجالس شوابنا الهيبة والرزانة التي يجب أن تحترمها وأنت داخل هذا المجلس، وكم من مرة شاهدنا منظر دخول شخص إلى المجلس ليقف الجميع احتراماً لهيبته، ليس لأنه يملك المال، ولا لأن حاشيته وأبناء عمومته هم من يفرضون هيبته، بل لأنه شخص نبيل وله قدره من الاحترام فهو من صنع ذلك..

وهذا ما نحن بحاجة إليه أن نعيد ترتيب أوراقنا ونتعلم من إرثنا وموروثنا الحسن لنفرض هيبتنا واحترامنا ومقدارنا أمام العالم، وهذا لن يتحقق إلا إذا أكسبنا مكتسباتنا رؤية مستقبلية، لنصل إلى العالم برسالة واضحة عنوانها «هذا نحن».

خلال السنة الحالية شهد العالم العربي بروز العديد من هذه المقومات التي تبشر بالخير، منها التلاحم والتشارك العربي، ويعد هذا مطلباً مهماً لكي نكسب احترام الآخرين، والعامل الآخر هي تطلعاتنا المستقبلية، فعندما نرسم خططاً للمستقبل ونحضر جيداً لهذا المستقبل بالتأكيد سنعيد هويتنا، والحمد لله نحن على أعتاب حقبة جديدة في تاريخنا العربي، دبي 2020، المملكة العربية السعودية 2030، والعديد من الخطط الاستراتيجية التنموية المعدة بشكل احترافي لتتماشى مع تنافسية العالم على الابتكار والتقدم.

ما نحتاج إليه تحديداً، أن نصدر هوية أحوال مدنية خاصة بدولنا العربية، وكل دولة تعمل على تطوير مكتسباتها وتمكين شعوبها وتسليحهم بالعلم والمعرفة والثقافة، وإصدار جواز سفر يعد بمثابة قرارات لسياساتنا الخارجية، نحترم ونقدر به من يحترمنا، ونمنع تدخلات كل محاول للتدخل بشؤوننا..

وأن نصدر رخصة قيادة خاصة بمفاتيح المستقبل وكيفية قيادتها وآلية توجيه طاقاتنا وإبداعاتنا لتصب في مصلحة دولنا، والأهم أن نصدر دفتراً للعائلة العربية، وعلى أن يحتوي قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا، ونوثق علاقاتنا ببعضنا بعضاً، ونحدد الأدوار والمهام المنوطة بكل جزء من هذا التكوين العائلي.

 

Email