مدينة التاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أحتمل مشاهدة اللقطات التي تسربت من حلب، كم الجثث والدماء والبيوت المهدمة فوق رؤوس أهلها تدمي القلب قبل العين، فهؤلاء بشر، والذين قتلوهم ليسوا كذلك، لا يمكن أن يكون إنساناً من انتزعت إنسانيته وتصرف كالوحوش الضارية، الذين قتلوا ليسوا معارضة، وليسوا من الذين يحاربونهم، وليسوا من المعتدين عليهم، إنهم أناس وضعهم قدرهم في منطقة قتال، وجيش الأسد يعلم ذلك.

وكذلك جيش بوتين، ومرتزقة نصر الله والخامنئي، ولكنها الحرب العنصرية، حرب الأطماع الإمبراطورية، لا ذمة لها ولا دين، تضرب بعرض الحائط كل القيم، وتعتدي بدم بارد على مدنيين في المستشفيات والمدارس والبيوت التي يفترض أن تكون آمنة.

النظام الذي رفض إعلان وقف إطلاق النار في حلب كان يخطط لهذه المذبحة، وعندما ينفذها يأسف الروسي لسقوط مدنيين، وكأنه لا يعرف أن البيوت يسكنها مدنيون، أغلبهم أطفال ونساء وكبار سن، سمعوا في الإذاعات أن المفاوضات في جنيف تحرز تقدماً، وأن المساعدات .

كما قال «ميستورا» ستدخل كل المناطق المحاصرة، وكانوا ينتظرون الدقيق والماء والدواء، ويتوقعون الأيادي الحانية تمتد لتمسح آلامهم، فإذا بالقذائف وصواريخ الطائرات تدك مدينتهم، والأميركي لا يعرف حقيقة ما حدث في حلب، يقول إن الأنباء متضاربة وغير دقيقة، مشوش، ينتظر تقاريره الخاصة، ثم سيدين أو يحتج أو يطالب بضبط النفس، وستدرج مذبحة جديدة في تاريخ العرب.

حلب مدينة ليست مثل كل المدن، إنها مدينة التاريخ، هكذا تقول الكتب والشواهد، وتؤكد أنها من أقدم المدن المأهولة في العالم، لها ستة آلاف سنة ويزيد، مر عليها الغزاة والطامعون من كل الاتجاهات، رومان وبيزنطيون وفرس وصليبيون ومغول، وحتى الإسكندر والفراعنة، احتلت عشرات المرات، ودمرت واستبيحت مرات ومرات، وحررت من الطغاة أيام صلاح الدين وقبله وبعده، وبقيت واقفة شامخة تحكي ما مر بها، وقامت من بين أنقاضها دول، وانهارت بفعل صمودها إمبراطوريات ودول، والتاريخ يعيد نفسه.

Email