قراءة تاريخية في العلاقات السعودية ـ الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تميزت العلاقات السعودية –الأميركية بعمقها وبأنها قائمة على مصالح اقتصادية واستراتيجية مشتركة. وترجع بداية علاقات السعودية مع الولايات المتحدة الي نشأة الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز بن سعود في بداية القرن العشرين.

فقد أدرك ابن سعود، خاصة مع بدء التنقيبات البترولية، بأن للولايات المتحدة باعاً طويلاً في شؤون النفط ولهذا طور علاقة بلاده معها تحت سياسة النفط مقابل التنمية، تلك السياسة التي بدأها عبد العزيز بن سعود مع الولايات المتحدة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين.

وتذهب المصادر الي أن الولايات المتحدة الأميركية استغلت فرصة دخولها الحرب العالمية الثانية الي جانب الحلفاء عام 1941 لكي تدعم وجودها في منطقة الخليج.

فإلى جانب تغلغلها في إيران بحجة مساندتها للاتحاد السوفيتي خلال الحرب ومواجهته عقب انتهاء الحرب، فإنها كانت حريصة على توطيد نفوذها في دول الخليج العربية وتركيز اهتمامها على المملكة العربية السعودية بالتحديد بوصفها مصدراً مهماً للبترول.

فاستغلت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تناقص الحجيج في موسم الحج وتوقف تصدير النفط وحاجة عبد العزيز بن سعود للمال فطلبت من بريطانيا تخصيص جزء من القروض الممنوحة للخارج لمساعدة السعودية.

ولم تكتف بهذا بل ما لبثت الولايات المتحدة نفسها أن قدمت مساعدات للسعودية طبقا لقانون الإعارة والتأجير الصادر في عام 1941. وتبنت منذ عام 1943 موضوع الدفاع عن السعودية في حال تعرضها لأي تهديد.

وكانت سياسة الولايات المتحدة قائمة على الاحتواء. فقد كانت تقدم للسعودية المال اللازم للتنمية ولإنشاء جيش حديث عوضا عن الجيش التقليدي القائم على الأسلحة والتنظيم التقليدي. وقد وفرت الولايات المتحدة للسعودية التسليح الحديث مقابل النفط.

ومنذ منتصف القرن العشرين تقريبا تطورت علاقات المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة لتصبح شريكاً استراتيجياً في الأمن، وطورت علاقات جديدة قائمة على الأمن مقابل النفط.

وكانت الولايات المتحدة بشأن انشاء قواعد جوية فتطلعت الي إقامة قاعدة لها في الظهران. وقد جرى بحث هذا الموضوع خلال اللقاء الذي تم بين عبد العزيز بن سعود والرئيس الأميركي روزفلت في البحيرات المرة بمصر على متن السفينة كوينسي في العام 1945.

وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى كانت العلاقات السعودية –الأميركية قد ترسخت. وبات للولايات المتحدة مصالح استراتيجية واقتصادية ضخمة في السعودية ابتداء من القاعدة العسكرية في الظهران وانتهاء بالمصالح النفطية.

وقد تعهدت الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية ضد أي عدوان وأن لا تقتطع أي قطعة من الأراضي السعودية. خلال عقدي الخمسينيات والستينيات بلغت العلاقات السعودية الأميركية أوجها.

وأصبحت السعودية الشريك الاقتصادي الأكثر تميزا بالنسبة للولايات المتحدة. فقد اعتمدت السعودية على الولايات المتحدة ليس فقط لاستيراد الاحتياجات المعيشية ولكن لتحديث جيشها وتزويده بأفضل المعدات العسكرية.

وظلت العلاقات السعودية –الأميركية مثالاً ناجحاً للعلاقات الخارجية لدول الخليج حتى 2001. لقد رمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بظلالها الثقيلة على العلاقات الأميركية –الخليجية بشكل عام. فقد أثارت تلك الهجمات جدلاً داخل الولايات المتحدة حول مسؤولية بعض دول الخليج تجاه تلك الهجمات. وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية حول مسؤولية تلك الدول الا أن الضغط الداخلي في أميركا كان مؤثرا لدرجة أنه رمى بثقله على العلاقات السعودية – الأميركية.

وفي السنوات السابقة لعب التقارب الأميركي- الإيراني دوراً كبيراً في التأثير على العلاقات الأميركية- السعودية. ففي أعقاب الاتفاق النووي الأميركي- الإيراني تغيرت بعض موازين القوى والصراع في المنطقة. فهناك من يقول بأن الاتفاق الأميركي- الإيراني انما أخذ في الحسبان العلاقات المستقبلية مع إيران على حساب دول الخليج.

وفي حديثه لمجلة (ذي أتلانتيك) والذي أثار الكثير من الاستياء، تحدث أوباما عن مستقبل العلاقات مع دول الخليج ومع السعودية بالتحديد، وبأن الولايات المتحدة لن تتحمل مستقبلا قضية الدفاع عن الخليج بحكم تغير موازين القوى في المنطقة وتغير المصالح الأميركية. هذا التصريح لقي صدى كبيراً في الخليج واعتبر مؤشرا لبداية جديدة في العلاقات الأميركية- الخليجية.

إن زيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما الأخيرة للسعودية تلقي أضواء قوية على عمق العلاقات السعودية –الأميركية وتوحي بالمستوى الذي يمكن أن تبلغه تلك العلاقات مستقبلاً.

Email