الثقافة الجماهيرية بين النمطية والسطحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر التربويون أن وسائل الإعلام هي الرديف الأساسي للتنشئة الاجتماعية في حياة البشر، بل إنها باتت تنافس الأسرة والمدرسة في هذا الدور، وقد زخرت المكتبة بآلاف الدراسات التي ترصد تأثيرها على الإنسان بمراحله العمرية المختلفة وكذلك تأثيرها في مجالات الحياة المختلفة، وتلعب وسائل الإعلام عموماً دوراً في التأثير على الثقافة وتشكيلها وخلق أنماط جديدة منها.

ويفرق الباحثون في مجال الثقافة بين ثلاثة أنواع من الثقافة: الثقافة الراقية والثقافة الشعبية والثقافة الجماهيرية.

والثقافة الراقية هي ثقافة الصفوة التي سجلت في الكتب الدراسية والأدبية والفنية، وفي الأعمال الفنية الراقية والتي أنتجت للنخبة المتعلمة.

أما الثقافة الشعبية، فهي تتسم بالتلقائية التي يصنعها الشعب وتنمو نمواً من أسفل تصنعها الجماهير لتعبر بها عن نفسها من خلال مواهب طبيعية لدى الفنان الشعبي.

أما الثقافة الجماهيرية فهي التي تستمد مضمونها من الثقافة الراقية ومن الثقافة الشعبية، وهي منتج من منتجات وسائل الاتصال الجماهيري الراديو والأفلام وكتب التسلية والقصص التلفزيونية والسينما، وهي معدة للاستهلاك الجماهيري وتتسم بالتماثل والنمطية وتعمل على إرضاء أذواق الجماهير وتعمل على توحيدها، وهي ثقافة مُصطنعة مفروضة على الجماهير من أعلى. فالثقافة الجماهيرية هي الرسائل الاتصالية التي تبثها وسائل الإعلام الجماهيري غير موجهة إلى طبقة محددة، ولا إلى مستوى ثقافي أو تعليمي محدد.

يعتمد مضمون الثقافة الجماهيرية على الأغنية والتمثيلية والفيلم، إنه مضمون ترفيهي مسيطر يخضع لقانون السوق التجاري. ويستدعي تبسيطاً وتسطيحاً للثقافة، ويهدف إلى اقتناص أكبر عدد ممكن من الجمهور عن طريق هذا المضمون الترفيهي.

ومع انتشار الفضائيات العربية التي بات عددها يزيد على ألف ومائتي قناة، ومع تنوع مضامينها واختلاف مستوياتها أصبح دورها أكثر تأثيراً في صنع الثقافة الجماهيرية، خصوصاً أن برامج هذه الفضائيات تتراوح مستوياتها ما بين البرامج الجادة جداً، والبرامج الهابطة جداً، والتافهة التي تزخر بها محطات عديدة مثل التنجيم والزواج والفيديو كليب والنصوص التفاعلية.

إن العلاقة بين الفضائيات العربية والثقافة الجماهيرية علاقة تفاعلية، إذ تقوم الفضائيات العربية بضخ مضامينها كمنتجات موجهة إلى الاستهلاك الجماهيري وباتت هذه الثقافة الجماهيرية إحدى الأدوات التي تشكل قيم جمهور المتلقين وذوقهم وآراءهم واتجاهاتهم.

وهكذا تقوم وسائل الإعلام بترتيب الأولويات وبناء المسرح وتحديد الممثلين عليه وتطالب الجمهور بالمشاهدة، بأسلوب يمتاز بالمحاصرة والتكرار، مما يجعل الجمهور يقبل على هذه البضاعة الجماهيرية التي تعرض أمامه، ومضامينها تكاد تكون متشابهة، فهي ترفيه ومزيد من الترفيه. فلننظر إلى عشرات المحطات التي لو أخفينا شعاراتها فلن نشعر بأي فرق بينها، حيث تتشابه مضامينها ولا نكاد نجد ما يميز المحطة عن غيرها سوى نشرة الأخبار التي تعطي أولوية لأخبارها المحلية.

ولا نغالي إذا قلنا بأن أهم المشكلات التي تواجه الثقافة الجماهيرية هي أن معظم الفضائيات العربية تقدم مواد ثقافية سطحية للغاية، كما أن الترفيه يسيطر على مضمون برامج الفضائيات العربية.

إن المسؤولية الملقاة على عاتق وسائل الإعلام الجماهيرية مسؤولية هائلة، ذلك أنها لا تقوم بمجرد نقل الثقافة ونشرها، بل بانتقاء محتواها أو ابتداعه. وهذا يعني أن على الفضائيات أن تعمل على اختيار برامجها بعناية وهي تقوم بدور أساسي في التربية ونشر الثقافة. ولا يمكننا أن نتصور الفضائيات بدون ترفيه فهو حاجة أساسية للإنسان، ولكن المقصود أن تتحمل الفضائيات العربية مسؤولياتها نحو جمهورها فتفاضل بين الترفيه الذي يحتوي مضموناً ذا قيمة وبين الترفيه التافه مثل ترفيه الفيديو كليب المعتمد على الإثارة الرخيصة، ومثل برامج تلفزيون الواقع وبعض برامج المسابقات التي تستدرج الجمهور للمشاركة عبر الاتصال أو التصويت عبر الهاتف، والهدف منها سرقة جيوب المشاهدين.

Email