السيئ والأسوأ في انتخابات أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بانت معالم المعركة الرئاسية الأميركية القادمة إلى حد كبير، وبعيداً عن المفاجآت فإن هيلاري كلينتون قد تخطت عقبة المرشح المنافس برني ساندرز، لتكون كما كان الأمر مقرراً من البداية مرشحة الحزب الديمقراطي لتكون أول سيدة تحكم أميركا.

على الجانب الآخر تحوّل «المهرج» ترامب، كما كان يوصف في بداية الحملة الانتخابية، إلى المرشح المنتظر ليكون المنافس لهيلاري كلينتون، مبرزا أزمة الحزب الجمهوري الذي لم يجد مرشحاً قادراً على تمثيل الحزب في انتخابات كان الجميع يراهن على أنها ستنتهي بفوزه.

سواء للرغبة المعتادة عند الناخب الأميركي في التغيير بعد ثماني سنوات من حكم الديمقراطيين، أو لفشل الرئيس الحالي أوباما في توفير مناخ إيجابي يضمن استمرار الحزب الديمقراطي في موقع الرئاسة، أو لأن التحديات الداخلية قد أظهرت خيبة أمل لدى الناخب الأميركي انعكست في الانتخابات البرلمانية السابقة التي وضعت أوباما في مواجهة كونغرس معاكس لسياساته.

وقد يكون الحديث مبكرا عن حسم المعركة. سواء داخل الحزبين أو في الانتخابات العامة. لكن الحديث بالقطع ليس مبكرا في الحديث عن علاقتنا كعرب مع هذا الحدث المهم، وفي وضع السيناريوهات لكل الاحتمالات وكيفية التعامل معها.

والنقطة الأولى هنا أن اهتمامنا المطلوب بما يتعلق بمستقبل القوة العالمية الأعظم، لا يعني ما هو قادم مع رئاسة جديدة فقط وإنما أيضا ـ وربما بصورة أكبر ـ بما يجري على الساحة في الشهور الباقية من رئاسة أوباما!

قد يكون أوباما مشغولاً بهاجس الدخول في التاريخ الأميركي كصانع للسلام بعد رئيس جمهوري أشعل المنطقة ووضع العالم أمام نتائج كارثية لسياساته الصليبية! التي دمرت العراق وفتحت الباب أمام إرهاب يستغل الدين، وأمام وضع المنطقة العربية رهنا لصراعات الآخرين، ولنفوذ القوى الإقليمية غير العربية.. بدءاً من إيران، ووصولاً إلى إسرائيل!

وقد يكون أوباما حريصاـ قبل أي شيءـ على توفير الدعم المناسب لمرشح الحزب الديمقراطي «هيلاري كلينتون على الأغلب» وهي مهمة تكفل بالجزء الكبير منها المرشح الجمهوري المحتمل ترامب باستعداء الأميركيين من أصول إسلامية أو عربية أو مكسيكية، وبما أعلنه من نوايا طالت كل حلفاء أميركا.

بدءا من أوروبا والصين، وحتى المملكة السعودية، معتبرا أن سياسة «أميركا أولاً» التي يتاجر بها. تعني فرض «الإتاوة» على الحلفاء. متناسيا أن الحلفاء «وفي مقدمتهم الحلفاء العرب» هم الذين يساعدون أميركا ويدعمون اقتصادها وليس العكس!

والنقطة الثانية والأهم أن شهور ما قبل انتخابات الرئاسة هي «شهور الابتزاز» بالنسبة لمن اعتادوا ذلك. وفي مقدمتهم إسرائيل.

وقد تكون نوايا أوباما التي أعلنها حسنة، وقد تكون علاقته بنتنياهو على قدر من السوء لم تبلغ علاقات قيادات الدولتين من قبل. لكن ذلك لا يعني أن إسرائيل ستفوت الفرصة، أو أن «اللوبي» اليهودي لن يستغل موسم الانتخابات الرئاسية لتحقيق المزيد من المكاسب لإسرائيل. على حساب العرب!

النقطة الثالثة والخطيرة أن الأمر لم يعد يقتصر على إسرائيل، كما كان الوضع في السابق، الآن هناك إيران، ورهان أوباما على أنه يستطيع ـ بالاتفاق النووي معها ـ أن يعيدها لمعسكر الاعتدال، وأن يضع حداً لأطماعها التوسعية، بينما هو في نفس الوقت يدرك جيدا أن التجربة تقول إن اعتماد إيران كشرطي للمنطقة تجربة فاشلة، وأن العرب في دول الخليج وأشقاءهم من المغرب إلى مصر والأردن وغيرهم لن يسمحوا بذلك.

في ظل هذه الأوضاع لا بد أن نتحسب لكل شيء. ولا بد أن نتعامل بجدية مع كل تطور على الأرض. ولا بد أن ندرك أن الشهور القادمة والمتبقية في عمر رئاسة أوباما لن تكون سهلة. إسرائيل تعلن عدم التخلي عن الجولان، بينما الحديث في واشنطن عن زيادة المعونة العسكرية لها، وإيران تبتز الجميع لتحصل على ما تريد من موارد ونفوذ، وإلا فإنها قادرة على إشعال الموقف في العراق، وتعطيل الحلول السياسية في اليمن وسوريا.

هل يمكن ـ ولو كانت الجامعة العربيةـ غائبة عمدا أو بحكم الواقع! ـ أن نكون مستعدين للتعامل مع أي تطورات في الموقف خلال الشهور الحاسمة التي يخضع فيها القرار الأميركي لمتطلبات الانتخابات الرئاسية ومزايداتها؟ وهل نفكر عربياً ـ ولو لمرة واحدة ـ في مواجهة ظروف يعرف الجميع أن القادم في السياسة الأميركية نحونا سيكون الأسوأ!

نرجو ذلك، لأن ما أفرزته السياسة الأميركية الحمقاء على أرضنا، لم يعد يحتمل المزيد.

Email