الغرب أصبح عاجزاً عن أخذ زمام المبادرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بداية خطاب الاتحاد الذي ألقاه في يناير الماضي، أدلى الرئيس الأميركي بارك أوباما بملاحظة حزينة قال فيها: »نعيش في زمن يواجه تغيراً غير عادي، تغيراً يعيد تشكيل طرق حياتنا وعملنا وكوكبنا ومركزنا في العالم«.

وواصل خطابه قائلاً: »يجب ألا يكون هذا سبباً مثيراً للخطر، وبالنسبة إلى أميركا فقد دخلت في تغيرات كثيرة من قبل، ومنها الحرب والكساد، وتدفق المهاجرين الجدد، والعمال الذين يقاتلون من أجل عقود عادلة، والحركات الرامية إلى توسيع الحقوق المدنية«.

وأشار إلى كلمات أبراهام لنكولن الشهيرة، الذي حذر من خطورة التمسك بـ »عقائد الماضي الهادئ«، وألح على ضرورة أن »يفكر الأميركيون بطريقة جديدة مرة أخرى، ويسعوا مجدداً لإحداث تغييرات من أجلنا«.

ويمكن للرئيس الأميركي أوباما الاستدلال بشخصيات أخرى في التاريخ حذرت من مخاطر الفشل ذاته، للتكيف مع هذا العالم المتغير. وأعلن وو لينغ تشو ملك زهاو في شمال شرق الصين عام 307 قبل الميلاد أن »الموهبة تكمن في متابعة طرق الماضي«، وأضاف: »هذا ليس كافياً لتحسين عالمنا اليوم«.

واعتاد القادة السابقون فهم أهمية مواكبة العصر. وبالنسبة إلى كثير ممن يعيشون في أميركا الشمالية وأوروبا يبدو عالم اليوم غير عادل وينذر بالخطر ولا يحمد عقباه.

الاقتصادات الراكدة وإغلاق الصناعات التي ازدهرت في يوم من الأيام، مثل تصنيع السيارات والحديد، ورفع مستويات عدم المساواة دفعت صحيفة »فاينانشيال تايمز« إلى القول بأن هناك نحو عشرين أمراً في الغرب تعتبر من الأمور التي لم تحظ بمكانة مميزة على نحو غير عادل، أي كأنها أسوأ من سابقاتها.

وفي أميركا يجري خوض الانتخابات على نحو متشائم بصورة استثنائية وترفع فيها اللافتات. وبالحديث عن بناء الجدران بين الولايات المتحدة والمكسيك فإن ذلك يشبه الأسلاك الشائكة التي أقيمت على امتداد الاتحاد الأوروبي.

وهناك قلق من دور الأصولية الدينية في المستقبل واحتمال زيادة المخاوف من الهجمات الإرهابية في قلوب وعقول المسافرين والسياسيين على حد سواء.

وادعى ماركو روبيو أنه أمضى ليلة عيد الميلاد في شراء مسدس لحماية »عائلته« مما يسمى تنظيم »داعش«. الصورة الدولية ليست أقل إثارة للقلق. ويعد فجر الربيع العربي بموجة من الليبرالية والديمقراطية ولكنه فتح أيضاً طريقاً نحو جعل ليبيا دولة فاشلة، وحدوث تعصب ومعاناة وخوف على امتداد الشرق الأوسط

ولا يسعى تنظيم »داعش« ومعتنقو فكره إلى السيطرة على الأراضي والنفط فقط بل على التاريخ وتدمير نصب الماضي التذكارية التي تتصارع مع رؤية خاضعة للرقابة للكيفية التي كان يتعين أن يبدو عليه الماضي.

ويبدو أن القليل من الناس فقط قادر على فهم أفضل طرق الارتباط مع موسكو، التي أثبت تدخلها في أوكرانيا وسوريا بأنه مثير للقلق بالنسبة إلى حكومات لندن وبرلين وواشنطن وأماكن أخرى من العالم. وعقب انقضاء وقت طويل من العزلة والصراع الظاهر، فإن إيران أصبح مرحب بها من جديد في العائلة الدولية.

وهناك الصين، وهي مصدر متزايد للقلق بالنسبة إلى الغرب، حتى خلال فترة النمو الاقتصادي الأبطأ مقارنة مع الماضي القريب. فقد أدى إنشاء الجزر الاصطناعية والمطالبات الإقليمية بشأن بحر الصين الجنوبي إلى نقل بعض حاملات الطائرات الأميركية إلى تلك المنطقة لمتابعة نشاطات الصين، فرفعت شبح المواجهة العسكرية المحتملة والتصعيد.

وعلى الجانب الآخر، فإن برنامج الاستثمار الكبير، المعروف باسم مبادرات »حزام واحد طريق واحد«، والذي خصص له نحو مليار دولار أميركي المخصص لمشاريع البنية التحتية التي تولد الطاقة، وتضخ الغاز والنفط، وتربط المدن بقطارات فائقة السرعة، وتدخل تحديثات على الطرق السريعة الموجودة حالياً، يظهر أن الغرب أصبح عاجزاً عن أخذ زمام المبادرة والتخطيط للمستقبل.

وفي عالم اليوم فإن الآمال المعقودة على النمو قد تحولت إلى الشرق بشكل كبير. ويتمركز القليل فقط من اقتصادات العالم الأسرع نمواً خلال العقدين الماضيين حول النصف الغربي للكرة الأرضية. ولكن في الأماكن التي تبخرت منها الآمال المتعلقة بما سيقدمه المستقبل للغرب فإنها لاتزال بحالة جيدة وكذلك في أماكن أخرى من العالم.

أولئك الذين يعيشون على امتداد المنابع الرئيسية في العالم يواجهون نهضة حقيقية، ومنها شبكة الطرق المعروفة باسم طريق الحرير والذي كان ممراً للتجار والمبشرين والمسافرين والفاتحين.

وبالنسبة إلى هؤلاء الذين يدرسون سقوط الإمبراطورية فإنهم يدركون نمط التأمل والرضا عن النفس الموجودين في عالمنا وعالمهم والذين يعتبران طريقة »متفوقة« مقارنة مع الحضارات الأخرى، والناس الآخرين وطرق العمل الأخرى.

ويميل المؤرخون إلى أن يكونوا خبراء التنبؤ بمستقبل بائس. ولكن النظر إلى الأيام الحالية من خلال عدسة الحداثة وليس إلى الماضي القريب جداً يغذي أفكارنا وليس أسباب التشاؤم. الفشل في التكيف مع العالم المتغير مثل ما قال الرئيسان لينكولن وأوباما له عواقب. لكننا على علم بذلك منذ آلاف السنين.

 

Email