السعودية تتحدى وتصنع المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ثمة مؤشرات على أن الأمة بدأت تصحو وأن ربيعاً حقيقياً قد بدأ، وتدرك أن ليفي ونتانياهو والصهاينة ليسوا أبناء الشعب المختار. وأن النفط لأهله لا لتجار الأسلحة وقتل الشعوب، وأن المليارات العربية بإمكانها أن تهز دولاً عظمى وأن تكون سلاحاً يرد التآمر على الأمة». بهذه الفقرة أنهيت مقالي الأسبوع الماضي.

وكنت أشير إلى موقف السعودية القوي الذي أيقظ الكرامة في روح كل عربي وبخاصة أن أصل الداء لكل مآسي الأمة العربية بدأت بزرع الكيان الإسرائيلي في قلب الأمة العربية وأن منبع حياة هذا الكيان هو الكونغرس الأميركي بالدرجة الأولى وبالتالي الإدارات الأميركية في البيت الأبيض.

وكم من مرة كان سيف الفيتو الأميركي يُرفع على رقبة الشعب الفلسطيني بانحياز وقح للعدوان الصهيوني المتواصل منذ العام 1948. فقد كان إنشاء إسرائيل بمثابة زلزال هز جغرافية وتاريخ الوطن العربي وما تلاه عبارة عن ارتدادات ظلت تضعف بالأمة ولا تزال.

ربما بحكم مهنتي كصحفي وكاتب على مدى أربعين عاما وبخاصة مجال الأخبار العربية والدولية التقطت طرف الخيط. فأن تهدد أغنى وأكبر دولة عربية نفطية أميركا بالنفط والمال أمر نادر وغير مسبوق إلا حين هدد الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز بوقف تصدير النفط لأميركا والغرب.

وقد كشف الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، تفاصيل رافقت قراري السعودية بخصوص قطع النفط عن أميركا عقب حربي 67 و73. وجاء كلام الأمير تركي في برنامج «إضاءات» الذي قدمه تركي الدخيل على قناة «العربية»، في 16-5-2008.

وقال الأمير تركي إن والده الملك فيصل بدأ، قبل حرب 1973 بثلاث سنوات، بالحديث عن ضرورة أن تقوم أميركا بخطوات لإزالة الاحتلال الإسرائيلي بناء على قرارات الأمم المتحدة..

وبدأ يخاطب الأميركيين رسميا، وعبر صحافتهم، وقال لهم «إذا أردتم زيادة إنتاجنا للبترول فلا بد أن تعالجوا القضايا التي نواجهها وهي إنهاء الاحتلال». وأضاف «عندما وقعت الحرب كان الوقت مناسبا لوضع حظر يتناسب مع قيمة الحدث، عندما قدمت أميركا المساعدة لإسرائيل وعوضتها عن خسائرها في بداية الحرب».

لكأن التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام. فأميركا وتحديدا اللوبي الصهيوني في الكونغرس والبيت الأبيض يتجرأ ويحاول زج اسم السعودية في تفجيرات 11 سبتمبر 2001 عبر مشروع قانون. إلا أن السلطات الرسمية السعودية حذرت الرئيس الأميركي باراك أوباما وأعضاء الكونجرس رسمياً من «تداعيات اقتصادية»، في حالة إذا ما أقر الكونجرس هذا القانون..

مؤكدة أن أول التداعيات ستكون ببيع مئات المليارات من الدولارات من الأصول الأميركية التي تحتفظ بها المملكة.

وأكدت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه وفقا لمسؤولين رفيعي المستوى في الرئاسة الأميركية والكونجرس، حاول الرئيس أوباما وإدارته الضغط على أعضاء الكونجرس لمنع تمرير مشروع القانون، وكانت التهديدات السعودية مثار مناقشات مكثفة في الأسابيع الأخيرة بين المشرعين والمسؤولين من وزارة الخارجية..

كما حذر أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من التداعيات الدبلوماسية والاقتصادية على الولايات المتحدة، إذا تم إقرار هذا التشريع.

وفى السياق ذاته، سلم عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، رسالة «وعيد» رسمية من المملكة خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، قال فيها إن المملكة العربية السعودية ستضطر لبيع ما يصل إلى 750 مليار دولار من السندات الأميركية في الخزينة السعودية، وغيرها من الأصول في الولايات المتحدة وقت أن تقرر أميركا الزج باسم السعودية في قضية 11 سبتمبر أمام المحاكم الأميركية.

لم تمض أيام على التهديد السعودي لأميركا حتى فاجأت السعودية أميركا والعالم بأمير جريء شجاع واثق وحكيم خبير بالاقتصاد والسياسة والاجتماع مدرك تماما لحيثيات التاريخ وتفاصيل المجتمع السعودي ولحقيقة الصراع في المنطقة العربية ليعلن ما يمكن تسميته ثورة بيضاء على المألوف وتحديا للأعداء وللعادات القديمة التي لم تعد تناسب العصر.

الخطة التي ركز عليها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تشتمل على أهداف اقتصادية وقومية شاملة وتعتبر وثيقة تاريخية تسجل في تاريخ المملكة، خاصة عندما شرح أهداف الخطة التي تضمنت النقاط الرئيسة التالية:

- باستطاعتنا العيش بالسعودية في 2020 من دون نفط، حجم أرامكو يفوق الـ2 تريليون دولار.. وطرحها الأكبر في التاريخ، تطبيق نظام البطاقة الخضراء خلال 5 سنوات، جسر الملك سلمان سيكون أهم معبر بري في العالم وسيوفر فرصاً ضخمة للاستثمار والبناء، رؤية دعم الطاقة والمياه ستطبق حتى على الأمراء والوزراء. وتساؤله: هل يعقل أننا ثالث أكبر دولة في الإنفاق العسكري ولا نملك صناعة عسكرية؟

ما قاله الأمير محمد بن سلمان فتح عيون العرب على قوتهم وتاريخهم وقوميتهم، وبشر بأن مملكة عربية سعودية جديدة قادمة لتقود العرب إلى بر الكرامة وتضعهم في المكان الذي يليق بهم على خارطة العالم.

 

Email