هدم كنيسة الساعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال، ربما يجعلنا نفكر بصوت مسموع، مَنْ المستفيد الخفي، والذي قد لا يعرفه أحد، من وراء هدم وتدمير المباني ذات الطابع الديني؟، هذا السؤال يدور حول الخبر المنشور بالأمس القريب، حوله هدم «داعش» لكنيسة الساعة في الموصل في العراق، وهي تابعة للاتينيين..

حيث إن حجر أساسها قد وضعه المطران نقولا الكبوجي، وثلاثة من المطارنة الشرقيين، وتم فتحها في 4/8/1879 م، أما الساعة التي تعلو تلك الكنيسة، فكانت هدية من الملكة أوجينيه زوجة نابليون الثالث، والعجيب والغريب، أن هدم دور العبادة لأصحاب الديانات الأخرى، أصبح شكلاً من أشكال «الجهاد» الحديثة عند هؤلاء الذين لا يملكون من الإسلام سوى اسمه فقط، ولا يدركون ما قام به السلف الصالح، اتجاه أماكن عبادة الديانات الأخرى غير الإسلامية.

وتأتي هذه الأعمال المدمرة للتاريخ من قبل تنظيم داعش!!، وهي في الواقع لخلق صراع بين أبناء الأمة الواحدة، سواءً من المسلمين والمسيحيين، وكلا الديانتين بهما العديد من الفرق والأحزاب المتطرفة والمعتدلة، ولا يمكن تحديدها، فهي تنبت في كل يوم فرقاً جديدة، وتوجهات جديدة، رحم الله صلاح الدين الأيوبي ومواقفه المتسامحة مع كل الديانات، فكما يقولون «الدين لله تعالى والوطن للجميع»، وهي مقولة ذات دلالات عميقة، تدل على تغلب العقل المفكر على العاطفة، والتي تتغير حسب الظروف المحيطة، فما بالك في هذا القرن، الذي كسر كل الحواجز وحطم كل الأغلال.

لماذا «كنيسة الساعة» في الموصل، ألا تدل كلمة الساعة على الزمن، وهو مهم بالنسبة للبشرية، فهي التي تحدد مواعيد العمل والراحة والطعام، وغيرهما مما يرتبط به الإنسان في كافة أرجاء المعمورة، وكم ساعد تطوير الساعة في تحديد المواقيت، ولعل ساعة (بيغ بن) هي الأهم عالمياً، حينما كانت الإمبراطورية البريطانية لا تغيب عنها الشمس. وها هي مدينة الموصل بمعالمها الأثرية التاريخية، تذوق مرارة التخلف، وهيمنة ذوي العقول القاصرة، وربما المخدرة بأفيون من نوع جديد.

كل من لديه معرفة بأهل الموصل، يدرك أنهم أهل سلام وتعايش وتقبل الآخر، فهم بشراً مثل جميع البشر، أما دياناتهم، فهي شأن شخصي، إنما المهم، المحافظة على العلاقات الإنسانية بين سكان المدينة المترامية الأطراف، ولا عجب أن العراق كانت تسوده كل الديانات، سواءً السماوية أو غيرها.

وقبل ذلك، تم تدمير كنيسة الطاهر الخارجية، والواقعة في محلة الشفاء في الموصل أيضاً، وهي تقع في الجانب الأيمن من المدينة، وكأن أولئك لديهم عقدة من الشمال والجنوب، وربما الشرق والغرب، وهي محددات للمكان، وليس لها علاقة بالسياسة أو الاقتصاد والاجتماع، اللهم إلا في ذهن أولئك الدواعش، ممن يعتقدون أنهم حاملو الحقيقة والهداية والتقوى، وغيرهم يعيش الضلالة والإلحاد، وحتى الكفر، وينسون أن الله سبحانه وتعالى، هو العالِم بما يكنه الإنسان في عقله وقلبه.

هل تعود الأمة إلى حروب داحس والغبراء، كما كان عليه الحال أيام ما قبل بروز فجر الإسلام، دين التسامح والعيش بسلام.

 

Email