أميركا والخليج.. أسئلة المستقبل وحديث «الأيام الخوالي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقب ثورة 30 يونيو، التي أسقطت حكم الإخوان الفاشي في مصر، فوجئنا بتصريح الرئيس الأميركي أوباما بأن العلاقات بين مصر وأميركا لن تعود أبداً إلى ما كانت عليه قبل 30 يونيو! وكان رد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «كان وقتها وزيراً للدفاع» أن مصر لن تنسى من وقف معها، ولن تغفر لمن تآمر عليها أو وقف مع إرهاب الإخوان في معسكر واحد!

ورغم أن الأحداث بعد ذلك تجاوزت الأزمة إلى حد كبير، إلا أن الأوضاع لم تعد كما كانت من قبل، وأظن أنها لن تعود، بعد أن اختارت مصر طريق استقلال قرارها، وأسقطت مخطط إخضاع المنطقة لحكم جماعات إرهابية مثل جماعة الإخوان كانت السياسة الأميركية قد دعمته لإعادة تقسيم المنطقة، وبعد أن مدت القاهرة علاقاتها إلى مراكز دولية أخرى من أوروبا على الصين، وبعد أن أصبح التحالف الخليجي- المصري قاعدة أساسية لسياسة القاهرة في مواجهة الأخطار، التي تحيط بالعالم العربي.

تذكرت ذلك وأنا أقرأ تصريح رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، بمناسبة زيارة الرئيس الأميركي أوباما للرياض ولقائه قادة الخليج العربي. قال الأمير تركي، إن «الأيام الخوالي» بين المملكة والولايات المتحدة انتهت على غير رجعة، وأنه يجب أن يعاد تقييم العلاقة بين البلدين، مضيفاً: لقد تغيرت أميركا بقدر تغيرنا!

تغيرت أميركا، ولم يعد للمنطقة عندها الأهمية نفسها. حولت توجهاتها الأساسية نحو الشرق في آسيا، والمواجهة الحتمية المقبلة مع الصين على زعامة والنفوذ الدوليين. لجأ أوباما إلى سياسة الانسحاب تاركاً وراءه الدمار الذي خلفته ساسة بلاده في دول مثل العراق وليبيا وسوريا، أبرم الاتفاق النووي مع إيران، وهو يعلم جيداً ماذا فعلت وهي تحت الحصار؟ وماذا يمكن أن تفعل بعد رفع الحصار وتوافر الموارد، وبعد أن أصبحت الرؤية الأميركية تضعها مع دول اخرى محاور ارتكاز أساسية، تعبث بأمن الدول العربية وتحد نفوذها داخلها، وتسعى لإشعال الفتنة في كل أنحاء الوطن العربي؟!.

وتغيرنا نحن أيضاً، لم تعد هناك ثقة بحليف تخلى عن تعهداته، ولا في شريك تركنا في مواجهة الخطر الذي كانت سياساته عاملاً أساسياً في وجوده، بدءاً من تدمير دول عربية وتركها للفوضى، أو محاولة إخضاع أكبر دولة عربية لحكم جماعة إرهابية مثل الإخوان، أو في التغاضي عما فعلته، وتفعله إيران من محاولات مد النفوذ أو إشعال الفتنة أو إطلاق الحروب الأهلية، متباهية بأن أعلامها ترتفع في عواصم عربية، بينما السيد أوباما يتغنى باعتداله(!!)، ويطالبنا بإضفاء الشرعية على مد نفوذها في المنطقة العربية تحت مسمى «الشراكة» الخادع والمخادع!

وتغيرنا نحن، بعد أن أدركنا أن قوتنا الذاتية هي التي تحمينا من الأخطار، وأن هناك عالماً جديداً يتشكل بموازين قوى جديدة، وعلينا أن نتعامل معه برؤية تحمي مصالحنا وتحفظ أمننا.

وفي ظل هذه الظروف تأتي زيارة أوباما للسعودية ولقاؤه قادة دول مجلس التعاون الخليجي. إنها الزيارة الأخيرة لرئيس فشلت سياساته في المنطقة، وأتاحت الفرصة لإرهاب أصبح يهدد العالم كله، ولنفوذ إيراني أصبح يهدد الأمن في المنطقة كلها، بينما الرئيس الأميركي يؤكد أن سياساته ستخلق إيراناً أخرى معتدلة وغير عدوانية، ويطالبنا بأن نراهن على ذلك، أو نرهن مصير بلادنا لأوهام لا ترى الواقع، ولا تدرك أننا عشنا قروناً لا نعرف الحرب المذهبية حتى أعادتها إيران، ولا نعرف إرهاباً بهذا الحجم حتى أعادته السياسة الأميركية التي رعت جماعاته بدءاً من الإخوان، وحتى الدواعش من جانب وتركت الطائفية التي تراعها إيران تنطلق تحت حمايتها منذ غزو وتدمير العراق!.

وبعيداً عن الأمنيات الطيبة، والمجاملات الدبلوماسية، فإن كل الأطراف تعرف أن أوباما لن يغير سياساته في الشهور الباقية من حكمه، وأن رسائل الطمأنة التي تصدر منه ستظل بلا معنى ما دام السلوك الإيراني العدواني على حاله، وما دامت السياسة الأميركية رهينة هذه النظرة التي تتجاهل الإرادة العربية.

هذه السياسة ترى أن الاعتماد على القوى الإقليمية غير العربية ، هو الأفضل لصالحها، ولا ترى أن عليها أي مسؤولية في إصلاح ما أفسدته، سواء بتدمير دول مثل العراق وليبيا، أو برعاية إرهاب دون أن تدرك عواقب ذلك حتى عليها نفسها، أو بمحاولة فرض توازن قوى جدي في المنطقة على حساب العرب.. أوطاناً وشعوباً!

تجيء زيارة أوباما للمنطقة وبعدها إلى أوروبا، في إطار الصراعات الداخلية الأميركية ومع اقتراب انتخابات الرئاسة، يريد نزع فتيل الأزمات، ورد الاتهامات التي يستغلها خصوم حزبه الديمقراطي بأنه أفسد العلاقات مع الحلفاء الأساسيين لأميركا، وأنه بسياساته الفاشلة في المنطقة، يرهن أمنها كما يرهن مصالح بلاده بتحالفه الجديد مع إيران، أو بترك الدواعش يتحولون إلى خطر أصبحت أوروبا هدفاً له، متصوراً أن بلاده ستنجو من عواقب هذه الساسة الخرقاء!

وبعيداً عن الأحاديث الدبلوماسية ومحاولات توجيه رسائل إلى الداخل الأميركي من أوباما بأن سياساته لم تصل إلى حائط مسدود، فإن الواقع هو أن «الأيام الخوالي» في العلاقات الأميركية- السعودية (والعربية) قد انتهت إلى غير رجعة، كما يقول رئيس الاستخبارات السعودية السابق.

لقد تغيرت أميركا بقدر ما تغيرنا، وزيارة أوباما لن تقدم الإجابة عن الأسئلة المثارة حول سياسات أميركا في المنطقة، بل لعلها تضيف المزيد من الأسئلة!

Email