المدارس وظاهرة التدخين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 2012 تابعت والكثير غيرى، بقلق ما تناقلته أجهزة ووسائل الإعلام المحلية حول تداول حبوب الترامادول المخدرة بين بعض طلاب المدارس الابتدائية، والثانوية، ومن المؤكد والمتعارف عليه أن الترامادول مادة تدخل ضمن المواد المخدرة وذات التأثير على القدرات العقلية لطلاب يافعين هم «أبناء اليوم وشباب المستقبل»، ففي الوقت الذي وجدت فيه أدلة على تورط عدد من الطلاب في تعاطى هذه المادة الخطرة أنكر بعض مديري المدارس وجود أدلة تؤكد وجود حالات تعاطى بين طلاب مدارسهم، ويبدو جلياً أن بعض مديري المدارس أنكروا معرفتهم بوجود طلاب متورطين في تعاطي الترامادول حتى يبعدوا عن أي مساءلة إدارية أو قانونية، وكأن بعض المدارس تضحي بمستقبل طلابها، حفاظاً على سمعة المدرسة!

وبين «الإقرار والإنكار» ما زال الرأي العام خصوصاً أولياء الأمور يساورهم القلق جراء ما نشرته وسائل الإعلام المحلية آنذاك، لكن تقارير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في دبي أكدت وقتها أن جهود تجار ومروجي المخدرات ودوائر خارجية تقف وراء استهداف المجتمع الإماراتي.

الجانب الوقائي بات أمراً ملحاً وضرورياً، والمتمثل في تكثيف الجهود وعلى جميع الصعد لنشر المعلومات للتعريف بمخاطر المواد المخدرة، للوقوف ضد جهود أخرى تقوم بها شبكات التواصل الاجتماعي، التي تبث الكثير من المعلومات، التي تحرض على الكثير من الممارسات الضارة، والتي تهدد حاضر ومستقبل الأحداث واليافعين، وكان رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية الأحداث معالي الفريق ضاحي خلفان بن تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي، قد طالب بضرورة مقاطعة هذه المواقع وقد أشرنا إلى ذلك في مقال سابق.

وها هي الكرة تعيد نفسها مرة أخرى لتذكرنا بعام 2012، ولكن الآن وفي هذه المرة بظاهرة أخرى وهي تفشي واتساع ظاهرة التدخين بين طلاب المدارس، الأمر الذي حذرت منه نخب تربوية عبر وسائل الإعلام والصحافة المحلية، مؤكدين أن ضعف الرقابة من قبل الأسرة والمدرسة، من أسباب تفشي الظاهرة، مطالبين بعقوبات أشد من تلك المدرجة في لائحة الانضباط السلوكي، والمتمثلة في الاستقطاع من درجات السلوك والنقل التأديبي، مشددين على ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة وفورية بحق الطلبة، الذين يتم ضبطهم داخل الصفوف أو في الحرم المدرسي.

وكشف تربويون أخصائيون وطلبة، عن حيل المدخنين من الطلاب في إخفاء السجائر لتجنب ضبطها، كإخفائها مع طلبة أصغر سناً، ولا تبدو عليهم شبهة التدخين، مبينين أن خطورة التدخين أصبحت مقلقة، بفعل انتشارها بين فئات عمرية صغيرة، لا سيما في ظل مبادرة الطلاب لـ «التبرع» بالسجائر لزملائهم، من باب الكرم والرجولة، لافتين إلى أن بعض الطلبة لا يكتفون بالسجائر، إنما يدخنون المدواخ، وهو أشد خطورة، فالمواد المستخدمة فيه مضرة، لكنها لا تترك رائحة على اليدين، وغالباً ما يلجأ بعض الطلبة إلى استخدام «اللبان» لإخفاء الرائحة الكريهة.

وقد اعتبرت هبة الله محمد، موجهة الخدمة الاجتماعية في منطقة الشارقة التعليمية في تصريح إعلامي لها بحسب ما جاء في جريدة البيان، أن انتشار التدخين بين طلاب المدارس، مرده إلى المشاعر الدونية، والبحث عن الظهور، وتفريغ بعض الضغوط الأسرية، إضافة إلى الرغبة في التقليد والتجريب، مطالبة بتضافر الجهود بين البيت والمدرسة والمؤسسات المجتمعية، بالمتابعة والاحتواء العاطفي، داعية المدرسة إلى استخدام أسلوب المتابعة، وإيجاد الحلول الناجعة، وشددت على أن لائحة الانضباط السلوكي، وضعت التدخين ضمن مخالفات الدرجة الثالثة، وما نحتاج إليه بالفعل إلى جانب ذلك، تكاملاً في الأدوار لعلاج المشكلة والقضاء عليها، وليس مجرد فرض عقوبات.

سؤال يفرض نفسه: هل ستأخذ وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية ذات العلاقة وخاصة المدرسة والأسرة،، بشأن تفشي واتساع ظاهرة التدخين في بعض مدارس الدولة، تصريح وتنبيه التربويين والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسانيين على محمل الجد؟ أم ستكون النتائج والحلول نفسها كعام الترامادول، عندما تمكنت «إدارة مكافحة المخدرات بدبي في ذات العام نفسه من ضبط 796 كيلو جراماً من شتى أنواع المخدرات المغشوشة، وهى كمية يمكنها أن تحدث أضراراً لا يمكن بحال من الأحوال تقديرها، وكان من بينها «عقار الترامادول»، الذي وجد طريقه إلى بعض مدارس الدولة، والمؤسف أن نشر الخبر في الصحف المحلية لم يحرك ساكناً، بل حاول بعض مديري المدارس التقليل من خطورته، وآخر ذكر أن إدارة المدرسة قامت بتركيب كاميرات للرصد والمراقبة، بينما الغالبية العظمى فضلت انتهاج سياسة «لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم».

لم يبق أمام أولياء الأمور الآن لحماية أبنائهم من تفشي ظاهرة التدخين والتباهي بها بين زملائهم في مدارسهم إلا أخذ الحيطة والحذر واليقظة، وأن تتضافر جهودهم بالتعاون الجاد والمتابعة الحثيثة المتكاملة، مع إدارة المدرسة وأساتذتها والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين. وعدم ترك الحبل على الغارب لفلذات أكبادهم، حتى لا تتحول عادة التدخين عندهم إلى وسيلة تجرهم لتجارب وسائل، وأمور أخرى لا تحمد عقباها، حيث لا جدوى للندم وقتها!

Email