مصر والسعودية وتحالف الإنقاذ العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكتسب الزيارة المرتقبة للعاهل السعودي الملك سلمان إلى مصر أهمية مضاعفة لأسباب عديدة، أولها وأهمها هو التأكيد على قوة التحالف بين الدولتين العربيتين الكبيرتين، وصموده أمام أحداث هائلة تعصف بالمنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية للمنطقة العربية بأسرها.

لقد أثبتت تطورات الموقف في السنوات الثلاث الماضية على الأقل أن هذا التحالف كان ركيزة أساسية في الصمود أمام استهداف الأمة العربية من جانب قوى دولية وإقليمية وتيارات محلية عميلة، شاركت كلها في المأساة التي عاشتها أقطار عربية، التي كان من الممكن أن تمتد لغيرها من الأقطار، كما كان الأمر مع مصر التي كادت أن تكون «الجائزة الكبرى» لتحالف الشر ضد الأمة العربية، لولا انتفاضة شعبها وجيشها ضد الحكم الفاشي الإخواني المدعوم من أميركا ،ومن بعض القوى الإقليمية، وذيولها المزروعة في الوطن العربي، لولا الوقفة الشجاعة للمملكة السعودية والإمارات في وجه المؤامرة التي كادت تحيل أرض مصر الكنانة إلى قاعدة لانطلاق جماعات التطرف وفاشية الإخوان لتسيطر على باقي المنطقة.

بعدها كان التصدي للمؤامرة على اليمن، ومحاولة مد النفوذ الإيراني إلى البحر الأحمر، وتطويق دول الخليج العربي، وجرها إلى الفتنة المذهبية، كما كان أيضاً الجهد الكبير لإنقاذ باقي البلدان العربية، بدءاً من ليبيا المنكوبة وحتى آخر شبر في وطن عربي لم تعد خرائطه توافق مخططات أعدائه أو مصالحهم.

بالطبع كانت هناك اختلافات (وليست خلافات) في بعض الرؤى بين القاهرة والرياض، لكن الأهداف كانت واحدة، الصمود في وجه المؤامرة، وضرب الإرهاب بكل جماعاته وطوائفه، وإنقاذ سوريا واليمن وليبيا من الدمار والتقسيم، والتصدي لأطماع القوى الإقليمية غير العربية ومحاولاتها مد نفوذها داخل الوطن العربي.

ولنتصور كيف كانت ستكون الأوضاع لو لم يتم إنقاذ مصر من حكم فاشية الإخوان، ولو لم تكن هناك «عاصفة الحزم» لإنقاذ اليمن، ولو لم يكن هناك هذا الإصرار العربي على الحل السياسي الذي يوقف الدمار في سوريا، والذي يمنع أن يكون الصلح الأميركي ــ والإيراني مفتاحاً لتسليم أوطان عربية للنفوذ الإيراني، كما حدث في العراق، الذي يناضل منذ سنوات، وهو يدفع فواتير مثل هذا المنهج الذي دمر هذا البلد العربي صاحب التاريخ والإمكانات، ووضعه في عهدة الحروب الطائفية، والنفوذ الإيراني والإرهاب، الذي تتسابق فيه «داعش» مع باقي الميليشيات الطائفية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني!

الآن، تنفتح بعض أبواب الحل السياسي سواء في سوريا أو اليمن، ويتحرك العالم أمام خطر تحول ليبيا إلى القاعدة الأساسية للإرهاب الإخواني والدواعش في هذا الموقع الخطر على أبواب أوروبا شمالاً، وامتداداً لأفريقيا التي تنتشر فيها مثل هذه الجماعات الإرهابية من الصومال ونيجيريا إلى مالي إلى دول الشمال الأفريقي.

وفي كل الأحوال، وسواء سارت جهود الحل السياسي في طريقها وهذا ما نتمناه، أو استمرت الأوضاع في التفاقم، فإن الأخطار ستظل موجودة، والحاجة لطرف عربي يقود المواجهة «سلماً أو حرباً» تفرض ليس فقط الحفاظ على التحالف المصريـ السعودي، بل وتقويته ودعمه بكل الإمكانات. وإذا كانت دولة الإمارات تمثل الطرف الحاضر دوماً في مثل هذا التحالف، فإن دولاً أخرى ما زالت تقف بعيداً مع غض الطرف عن دول تغرد «أو تخرب» خارج السرب العربي!

دعم التحالف العربي الاستراتيجي بين مصر والسعودية مطلوب بشدة، لأن البديل هو العودة للحديث عن «الفراغ» الذي تملأه قوى غير عربية! ولأننا حين نتحدث عن حل سياسي، فلا بد أن يكون عربياً، بمعنى أن يحفظ عروبة أقطارنا العربية ويمنع تقسيمها. ولا يوجد طرف عربي قادر الآن على القيام بالمهمة إلا مثل هذا التحالف الأساسي.

أيضاً فإن علينا أن نتعلم الدرس جيداً. وأن ندرك أن الرهان على أطراف أو قوى دولية من جانب بعض الدول العربية قد أثبت أنه رهان في الهواء، فالقوى الكبرى لا تعرف إلا مصالحها، والدول الإقليمية غير العربية لا تعرف إلا مطامعها في مد نفوذها أو الاستيلاء على أراضينا.

وأيضاً ينبغي أن ندرك أن الحرب ضد الإرهاب ستكون طويلة، وأنها تحتاج ـ إلى جانب المواجهة العسكريةـ إلى جهود فكرية وثقافية واقتصادية، وإلى تجديد في الفكر الديني يعلي قيم التسامح والمواطنة والكرامة الإنسانية والعدالة والحرية، كما أرساها صحيح الإسلام. وليس أجدر من تحالف مصر والسعودية ليقود هذه الحرب، ويحسم هذه المواجهة مع إرهاب خوارج العصر، والانتصار لأعظم الرسالات السماوية.

وأخيراً في غيبة جامعة عربية فاعلة، ومع الفشل ـ حتى الآن ـ في إنشاء القوة العربية المشتركة أو تفعيل الوحدة الاقتصادية! ومع تعاظم الخطر واستمرار التحديات التي تواجهها الأمة العربية، فإن التحالف المصري ـ السعودي هو «فرض عين» على قادة الدولتين الشقيقتين، ولعلنا ـ في الزيارة المرتقبة للعاهل السعودي إلى القاهرة ـ نرى ما يؤكد النظرة الأساسية لهذا التحالف، ليس فقط باعتباره تحالفاً بين قطرين شقيقين، بل باعتباره ركيزة استراتيجية تقود الوطن العربي في هذه الظروف الصعبة إلى بر الأمان.

Email