ظاهرة دونالد ترامب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تتذكرون حركة «احتلوا وول ستريت»؟ هي احتجاجات عام 2011-2012 التي سعت لإيجاد نوع من الثورات في أميركا، عن طريق مزيج من التخييم في المناطق الحضرية، والتذمر، بصخب شديد، من وضع العالم.

لقد أخفقت الحركة لأنها فشلت في ترجمة نحيب منتسبيها لعمل سياسي. لكن مهلاً أيها المحتلون، لم يستغرق الأمر سوى بضع سنوات، غير أن مسيرتكم وصلت إلى هنا في النهاية. ولا يمكنكم تفويت ذلك، فها هي طائرة بوينغ طراز 757 مزخرفة بأحرف من ذهب لاسم «ترامب». وفيما يلي السبب وراء أن المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب هو الرجل الذي كانت الحركة بانتظاره.

يدين دونالد ترامب حركة «احتلوا وول ستريت» من موقع قوة. فغرض فكرته للتخييم في وول ستريت يكمن في تمجيد اسمه عبر واجهة البرج العملاق في ناطحة سحاب «40 وول ستريت»، وليس نصب خيمة في حديقة زوكوتي. ولا يتوجب عليه، حقاً، القيام بذلك. فهو يستطيع أن يستريح، ويتمتع بثروته وأحفاده، وأن يتغاضى عن أي شيء آخر، والتنافس بطريقة مهذبة مع كافة نخب مؤسسة الجمهوريين في الهيئات الاجتماعية بمدينة نيويورك. غير أنه اختار، بدلا من ذلك، استخدام نفوذه ليصبح بطل الأميركيين العاديين، ولكشف خدع الـ 1% من السكان الذين تتركز الثروة في أيديهم.

يعد المرشح دونالد ترامب رجلاً رأسمالياً حقيقياً، يعمد لمهاجمة التواطؤ الخطر بين الشركات الأميركية وجماعات الضغط في واشنطن، التي تدمر السوق الحرة التي تم تأسيس وازدهار أميركا من خلالها. هو ليس نوعاً من الفوضوي أو الاشتراكي الذي يهاجم المؤسسة، لأنه يرغب باستبدالها بشيء أسوأ. يريد ترامب إعادتها لوضع كانت عليه في السابق. والحفاظ على أفضل ما يمكن إنجازه يتمثل بالمحافظة على مبادئ المحافظين الجمهوريين، بكل ما للكلمة من معنى.

من خلال تخفيف الخطاب الأيديولوجي إلى الحد الأدنى، أوجد دونالد ترامب نوعاً من الجاذبية، وهو أمر لم يكن لدى الحركة. وصرح وزير خارجية ولاية ماساتشوستس وليام غالفين، أخيراً، لصحيفة «بوسطن هيرالد» بأن أكثر من 16,300 ديمقراطي في الولاية حولوا انتماءهم ليصبحوا ناخبين مستقلين منذ بداية العام. وعزا غالفين الأمر لـ «ظاهرة ترامب». كما اتفق العديد من مراقبي حركة «احتلوا وول ستريت» على أنه قد تم اختطاف كل من السوق الحرة والرأسمالية المحدودة للحكومة، ولكن تم إبطال ذلك من خلال الخطاب اليساري الذي ابتليت به الحركة. ويلاحق دونالد ترامب المؤسسة، إلا أنه يحد من نوع التصريحات الأيديولوجية الجارفة التي قضت على حركة «احتلوا وول ستريت».

لا يتوجه المرشح الجمهوري ترامب للجمهور السياسي الصحيح الذي يؤيد «العدالة الاجتماعية». فلسنوات حتى الآن، تم اختطاف النقاش النزيه والحقيقي من خلال نوع من المكارثية الخطابية. وخلافا لروح التعديل الأول للدستور الأميركي، هنالك شعور سائد بأنه تتعين مراقبة الكلمات بعناية، تجنباً لارتكاب خطأ، مهما كان بسيطاً، مع وجود بعض المصالح الخاصة مع مجموعات ناشطة لتتبعه، (وأمثال أولئك انجذبوا بشكل جماعي لحركة احتلوا وول ستريت). غير أن مليارات دونالد ترامب مكنته من الحديث بحرية.

يقدم دونالد ترامب حلولاً قابلة للتنفيذ بالنسبة إلى المشكلات التي لم تستطع حركة «احتلوا وول ستريت» سوى التذمر منها. فهو يدين استيراد العمالة الرخيصة وغير القانونية، ويسلط الضوء على الصفقات التجارية السيئة التي تضر في النهاية بالعمال الأميركيين. فضلاً عن وصله بين النقاط التي تفصل شعارات اعتصام الحركة والسياسات ذات الصلة.

مازال دونالد ترامب متشبثاً بالعاملين في البلاد. ففي مقابلة مع برنامج «واجه الأمة» على قناة «سي بي إس»، خلال فصل الصيف الماضي، أطلق ترامب على مديري صناديق التحوط لقب «مروجي الورق» الذين «يفلتون بجرائمهم» من خلال قدرتهم على دفع الضرائب بمعدل الأرباح الرأسمالية (التي تصل إلى قمتها عند 20%)، وذلك بدلا من معدل الدخل العادي كأي شخص آخر. يبدو أن دونالد ترامب يعرف الفرق بين أولئك الذين يوجدون فرص العمل وأولئك الذين يجنون الأرباح من خلال التلاعب بمحصلات عمل الآخرين. لكن ما الذي قام به مديرو صناديق التحوط، بالضبط، ليحظوا بهذا التخفيف عن كاهلهم، والذي لم يحصل عليه بقيتنا؟

يُسهل اعتناق دونالد ترامب للبراغماتية إيجاد حلول خلاقة. فقد قال إنه سيتعاون مع روسيا لهزيمة «داعش». وخلال مناظرة جمهورية أخيراً في هيوستون أعرب ترامب عن الرغبة في العمل من أجل تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها في الشرق الأوسط، إلا أنه أضاف: «اعتقد أن قولنا إن هنالك رجلاً جيداً ورجلاً سيئاً لا يخدم أي غرض. والشروع بالحط من قدر الدول المجاورة لا يجدي نفعاً، لأني أحبذ فعل شيء فيما يتعلق بمفاوضات السلام، في النهاية، بالنسبة إلى إسرائيل والدول المجاورة لها... وبصفتي مفاوضاً، فإنه ليس بمقدوري فعل ذلك في حال كنت منحازاً لأحد الجانبين بشكل كبير».

يؤيد المرشح الجمهوري دونالد ترامب إعادة ديمقراطية وول ستريت وواشنطن، وذلك بالنيابة عن الأميركيين العاديين، الذين يشعرون، منذ أمد طويل، بالعجز. وهو يفعل ذلك مرتدياً بدلة ورابطة عنق، ومدعوماً من قبل نوع من الثروة المستقلة التي تمده بحصانة من أولئك الذين ينتقدهم.

Email