لا يزال العرب قادرين على المقاومة والانتصار

ت + ت - الحجم الطبيعي

في اليوم الذي تم فيه اختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية الذي سيخلف الأمين الحالي الدكتور نبيل العربي، الذي اعتذر عن عدم الترشح لولاية ثانية. في نفس اليوم كان معظم قادة الدول العربية يلتقون في السعودية ليشهدوا المرحلة الأخيرة لمناورات «رعد الشمال» التي شاركت فيها هذه الدول العربية مع عدد من الدول الإسلامية الصديقة.

معان كثيرة يمكن استخلاصها من تلاقي الحدثين. منها أنه رغم عدم النجاح ـ حتى الآن - في تكوين القوة العربية المشتركة، فإن التعاون قائم بين القوى العربية التي يمكن أن تشكل نواة هذا المشروع القومي الذي تحتاجه الأمة العربية بشدة، والذي لا يمنع أي قوة أخرى وخاصة من الدول الإسلامية أن تكون سندا له عند الشدائد.

ومن المعاني الأخرى التي يجب أن نتوقف عندها أن الاختلافات الصغيرة في وجهات النظر لا ينبغي أن تحجب التوافق الضروري على الأهداف الكبرى في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية.

ومن هنا كانت مناورة «رعد الشمال» تجمع أطرافا عربية وإسلامية قد تختلف في التفاصيل حول بعض القضايا، لكنها تقف صفاً واحداً ضد الخطر الذي يهدد الجميع.. سواء من جماعات الإرهاب، أو من القوى التي تقف وراءهم أو تحاول استغلالهم لضرب استقرار المنطقة.

ومن هنا أيضا كان التوافق على اختيار مرشح مصر لأمانة الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، دليلاً على أنه رغم كل الخلافات في وجهات النظر، ورغم كل التحفظات على أداء الجامعة فإن الكل يدرك أن التمسك بوجودها ضروري، وأن تطوير أدائها رهن بإرادة الدول العربية، وبالتصميم على استعادة الدور العربي الذي غاب طويلا، فكان الفراغ الذي استغله الأعداء لتكريس الخلافات العربية ـ العربية، ولمحاولة نفي العروبة ذاتها، وإغراق المنطقة في الصراعات الطائفية والمذهبية.

ويأتي الأمين العام الجديد للجامعة العربية في ظل هذه الظروف شديدة التعقيد والخطر يمتد من اليمن إلى سوريا والعراق وليبيا ودول الشمال الإفريقي، والإرهاب يحاول فتح الجبهات في كل المناطق، وحديث «التقسيم» أصبح يتردد علنا حتى على لسان زعماء الدول الكبرى!!

ومع ذلك فإن هناك ما نبني عليه لمواجهة هذا الموقف الصعب سواء ببناء القوة العربية أو ببذل الجهد للوصول إلى الحل السياسي الذي يحفظ الدم العربي ويوقف المؤامرة على الوحدة الوطنية والتجمع القومي.

ولعل أخبار التهدئة على الحدود مع اليمن تعطي الأمل في حل عربي للأزمة هناك، خاصة مع ما يجري من وساطات قبلية أدت إلى إطلاق الأسير السعودي، ومع الحديث عن محادثات تتم في عسير بخصوص وقف إطلاق النار، ومع التصريح المهم لوزير خارجية المملكة السعودية عادل الجبير بأن الرياض مستعدة لفتح صفحة جديدة مع طهران إذا توقفت عن التدخل في شؤون المنطقة.

وهو تصريح تسانده ما أعلنته قيادات حوثية عن الاستعداد لتنفيذ القرار الدولي 2216 الذي ينص على إنهاء الانقلاب والعودة للشرعية، بالإضافة إلى رسالة القيادي الحوثي التي طالب فيها إيران بوقف تدخلها في الشؤون اليمنية.

تطورات ينبغي تشجيعها، فالتحالف العربي لم يخض المعركة من أجل الحرب، بل من أجل الحفاظ على وحدة اليمن وعروبته، ووقف التدخل الإيراني في شؤون الخليج وباقي المنطقة.

والوصول إلى الحل السلمي المطلوب بالشروط العربية، يعني أن أخذ الأمور بأيدينا كان مفتاح النجاة، ويدعو إلى ضرورة إنهاء الغياب العربي عن باقي مناطق الاشتعال، وترك الأمر في يد القوى الخارجية «الدولية والإقليمية» إن الحل في سوريا وليبيا والعراق لابد أن يكون عربيا.

فهذا هو ما يحفظ وحدة هذه الدول ويمنع مؤامرات تقسيمها ومحاولات جرها إلى الفتنة المذهبية، ويوقف تدخل القوى الخارجية، ويدعو العرب «شيعة وسنة ومسيحيين وأكراداً وغيرهم» إلى التوحد لحماية أوطانهم، ولحل مشاكلهم معاً بعيداً عن القتال، وبدعم عربي كامل لا يسمح لطرف عربي أو غير عربي ـ أياً كان ـ أن يكرر ما ارتكبه من أفعال تصل لحد الجرائم حين يدعم جماعات الإرهاب.

بدءاً من الإخوان حتى الدواعش. سواء بالمال أو بالدعم السياسي والإعلامي، أو بالتآمر حتى على أقرب الأقربين من الدول الشقيقة، تنفيذاً لتعليمات من يمسكون خيوط المؤامرة.

أحداث تونس في الأسبوع الماضي تقول بوضوح إن أمامنا مواجهة طويلة مع جماعات الإرهاب، وتقول إنه لابد من وقفة مع القوى التي تعطل الحل في ليبيا.

لم أتحدث كثيراً عن الأمين العام الجديد للجامعة العربية، لأننا نعرف جيداً أن القرار في يد القادة العرب ـ ولأننا ندرك أنهم قادرون ـ رغم أي اختلاف في الرأي حول التفاصيل على التوحد وراء حل سياسي يحفظ وحدة وعروبة اليمن وسوريا وليبيا والعراق.

ويوقف أي تدخل إيراني أو أي أطماع تركية أو إسرائيلية، ويقول للقوى الكبرى إننا ـ رغم الظروف الصعبة ـ قادرون على منع سايكس بيكو جديد يعيد تقسيم ما تم تقسيمه في وطننا.

دور الأمين العام الجديد للجامعة أحمد أبو الغيط أن ينفذ هذه الاستراتيجية العربية للإنقاذ حين تتفق عليها القوى العربية الكبرى. والسؤال هو: متى يدرك الجميع ذلك؟ ومتى يدرك أن البديل هو السير «منفردين»!! نحو السقوط في الهاوية التي يحفرها الأعداء لنا؟!

Email