التكنولوجيا أنقذتنا من المستقبل البائس

ت + ت - الحجم الطبيعي

برزت صورة مدهشة في المؤتمر العالمي للهاتف المحمول الذي أقيم في برشلونة أخيراً. وتظهر الصورة قاعة للمؤتمرات مليئة بالحضور مع عرض بأسلوب نظارات الواقع الافتراضي وأجهزة الكمبيوتر اللوحية الموضوعة على أرجل الجالسين، علاوة على صورة إشعاعية لمارك زوكيربيرغ مؤسسة الفيسبوك، وهو يسير متجاوزاً الحضور.

وللوهلة الأولى تذكرنا الصورة بواحدة من أهم الدعايات التلفزيونية: «أبل 1984» التي قدم فيها ستيف جوبز من طراز ماكنتوش. وأخرج الدعاية ريدلي سكوت، المشهور بإخراج أفلام الخيال العلمي مثل «عداء بليد» و«الكائن الفضائي».

ويصور الإعلان غرفة مليئة بأفراد شبيهين بزومبي يحدقون بوجه يشبه «بيغ براذور» على شاشة عملاقة بينما تظهر رياضية تحمل مطرقة كبيرة جداً وهي ملاحقة من شرطة مكافحة الشغب.

تركض الفتاة في الغرفة وترمي بالمطرقة على الشاشة بينما ينطلق صوت قائلاً: «في الرابع والعشرين من يناير سيقدم جهاز حاسوب أبل جهاز ماكنتوش. وسترى لماذا لن يكون عام 1984 شبيهاً بعام 1984».

الرسالة المقصودة هي: التكنولوجيا هي وسيلتك الخاصة للهروب من التفكير الجماعي. كان يفترض بنا جميعاً أن نكون من رماة المطرقة، إلا أن ذلك لم يحدث.

ولاثنين وثلاثين عاماً المقبلة. وفي صورة لمارك زوكربيرغ وهو يعرض تقنية الواقع الافتراضي للفيسبوك «غيير في آر»، المطورة بالشراكة مع سامسونغ، فإن زوكيربيرغ يظهر كرياضي يحمل مطرقة ونحن جميعاً كائنات زومبي وجهازه مثبت بوجوهنا.

وأصبح إعلان «أبل» واقعاً بالفعل، ما عدا أن التكنولوجيا جعلتنا جميعاً عبيداً لها، بدلاً من تسهيل استقلالنا وخصوصيتنا، صحيح؟ ليس بالضبط.

هناك شيء مهم خارج إطار هذه المعادلة. وهو الخيار البشري. الأمر يعود إلى كل منا كي يختار ما إذا كان يريد أن يكون زوكيربيرغ أو زومبي آخر في الحشد. والأمر ليس تقنية تفادي. فزوكربيرغ وجوبز بالتأكيد لم يفعلا ذلك، بل عوضاً عن ذلك أتقنا التكنولوجيا وجعلاها تعمل لصالحنا بدلاً من أن تسيطر علينا.

أعظم شيء بالتقنية هو تماماً ما تصوره دعاية «أبل» القديمة التي تتيح لك أن تكون جزءاً من الاجتماع أو التفكير الجماعي. يمكنك الحصول على المعلومات والأخبار من مصادر عدة وبلغات عدة وأن تترجمها بكبسة زر واحدة. يمكنك أن توجد شيئاً وتموله باستقلالية لدعم جهودك.

يمكن أن تتواصل مع الناس على امتداد العالم لإيجاد طريقة أكثر كفاءة من تجاوز أي مهمة معطاة. يمكن البحث عن عمل وأن تقطن على الجانب الآخر من العالم وتوسيع فرص عملك. ويتضمن أفضل استخدام للتقنية تيسير نشاطات الحياة الحقيقية المفيدة، لا سيما تلك التي قد تكون صعبة إن لم تكن مستحيلة.

الشخص الذي يستخدم التكنولوجيا لإجراء بحث ما وللحصول على دورات معينة ولتعلم لغة ما وللعثور على فرص عمل والتواصل سيكون في وضع أكثر تنافسية مقارنة بمن يستخدم هذه التقنيات من أجل أن يلوث الإنترنت بصور سلفي وأن يكتب تعليقات تتعلق بالأنشطة اليومية العادية نسبياً. أنت تختار في كل يوم أي شخص تريد أن تكونه في منطقة يزداد فيها التنافس وفي عصر تتزايد فيه العولمة التنافسية.

وللأسف، يفشل كثير من الأشخاص في تحقيق إمكانياتهم التقنية. وتحت إغواء الهروب من الواقع الذي تسهله التقنية، فإنهم يخصصون قدراً غير متناسب من حياتهم في الشكوى أو التنفيس عن أنفسهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويتناقشون مع غرباء افتراضيين أو يشغلون المشاهير المشغولين كثيراً بالعمل وصنع الملايين بالرد وتشتيت أنفسهم عموماً عن نشاطات أكثر إنتاجية.

المسلم به هو أن بعضاً من هذا يعتبر مثيراً للمرح مثل أي نوع من التسلية، إلا أن بعض وجهات النظر أمر مفروغ منه. هل زوكربيرغ سيكون مبدعاً لو كان مشغولاً بالتدوين عن حياته للغرباء طوال اليوم؟ هذا أمر مشكوك فيه للغاية. ليس هناك من أحد ضحية للتقنية بل هو ضحية خياراته فحسب.

وعلى الجانب المشرق، يبدو أن هناك تحولاً مشجعاً بين الأجيال. فالأطفال الذين نشؤوا منغمسين في التكنولوجيا منذ الطفولة، والذين لا يعرفون العالم من خلال أي منظور آخر، يبدو أنهم ينجذبون إلى منصات أكثر خصوصية تسمح بتواصل محدود مع مجموعات أصغر من الأصدقاء. ويبدو أن جيلهم سيستعرض التكنولوجيا باعتبارها مجرد أداة بدلاً من كونها أداة إدمان.

المستخدمون الصغار للتقنيات مثل الأطفال الفرنسيين الذين يخيرون بين الحليب أو المشروب على طاولة العشاء فيكبرون ميالين للكحول. وأولئك الذين كبروا قبل عهد الإنترنت ميالون أكثر لكونهم مثل الأطفال الأميركيين الذين يصبحون مدمنين على الكحول بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

هؤلاء الذين نشؤوا في الفترة السابقة للإنترنت عرضة للنهم التكنولوجي. ولكن كيفية التعامل مع الأمر مسألة خيار. كل سيناريو بائس للتكنولوجيا فيه رابح وخاسر. ما من أحد ضحية قدره. أنت فقط من يحدد على أي جانب ستكون

 

Email