مع العروبة أو الكارثة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا الأسبوع سيتم اختيار الأمين العام الجديد للجامعة العربية الذي سيخلف الأمين الحالي، الدكتور نبيل العربي، الذي أعلن اعتذاره عن الترشح لمدة جديدة تبدأ في يوليو المقبل.

كان المفروض أن يتم الاختيار في القمة العربية التي تم تأجيلها لأجل غير مسمى بعد اعتذار المغرب عن استضافتها، وربما يوكل الأمر لوزراء الخارجية بتفويض خاص لحين اعتماد القرار من القمة، ولعل الأمر كله يشير إلى تراجع الأهمية التي توليها الأنظمة العربية للجامعة ودورها الذي تراجع كثيراً في ظل أحداث مصيرية تمر بها المنطقة.

وقد عكس البيان الذي أصدرته المملكة المغربية لشرح أسباب اعتذارها عن استضافة القمة، تلك الرؤية التي لا ترى جدوى في اجتماعات للقمة لا تصدر عنها قرارات جادة يتم تفعيلها.

ومن دون الدخول في جدل يضر ولا يفيد، فإن التراجع في العمل العربي المشترك هو أكبر الأخطار التي تهددنا.

فالظروف لا تحتمل، والتهديد يطال الجميع، والتجربة ينبغي أن تكون قد علمتنا الكثير، والمشهد ـ في طول العالم العربي وعرضه ـ لا يحتاج للكثير من الجهد لإدراك أن العرب هم المهددون، وأن غيابنا الذي طال جعلنا مطمعاً للآخرين، وأنه من دون العمل العربي المشترك لمواجهة المخاطر، فإن العواقب ستكون أسوأ!!

الخلافات في وجهات النظر بين الأطراف العربية طبيعية، لكنها ينبغي أن تتم في ظل ما تعلمناه من تجارب السنين، وما دفعناه من أثمان غالية للفرقة، وما تفرضه علينا الظروف التي تمر بها المنطقة والتي تهدد العرب جميعاً بأن يسيروا في الطريق الذي تم فرضه على العراق وسوريا وليبيا واليمن من أطراف تتباهى بمد نفوذها إلى عواصم العرب، وتتقاتل على المزيد إذا لم ينتبه العرب، ولم تتوحد صفوفهم.

نعرف الآن ـ أو هكذا ينبغي ـ أن التحالف مع أي طرف خارجي لم يوفر الأمان المنشود لأي دولة عربية. وأن كل ما فعلته هذه الأطراف أن جعلت بلادنا ساحة لتصفية صراعاتها على حساب الدم العربي، واستنزافاً لقدراتنا، ومنعاً لبناء قوتنا.

ونعرف الآن ـ أو هكذا ينبغي ـ أن الأغبياء عندنا الذين وصفوا العروبة ذات يوم بأنها «خرافة» يدركون اليوم مدى الجريمة التي ارتكبوها حين عادوا عروبتهم، في وقت كانت القوى الأخرى في المنطقة تؤكد هويتها الحقيقية أو المخترعة، لتحشد قوى شعوبها، ولتحقق أهدافها في توسيع نفوذها في غياب العرب، أو في مغادرة بعض العرب لعروبتهم!!

ونعرف الآن ـ أو هكذا ينبغي ـ أن عروبتنا هي التي استوعبت التنوعات الدينية والعرقية والمذهبية بيننا لمئات السنين، وأن تحرير الوطن العربي واستقلال دوله من المحيط إلى الخليج لم يتحقق إلا تحت راية العروبة.

وفي ظل حركة المد القومي العربي التي انطلقت جذورها من الشام والجزيرة العربية، ثم قادتها مصر إلى آفاق لم تفلح سنوات التراجع بعد ذلك في إزالتها من ذاكرة الشعوب أو من آمالها في وحدة تجمع ولا تفرق.. في مواجهة تآمر يضع العالم العربي الآن أمام خطر التقسيم، وأمام كارثة استعادة الفتنة الكبرى وإطلاق الحروب المذهبية على جثث العرب.. وفي غياب العروبة.

ونعرف الآن ـ أو هكذا ينبغي ـ أن مؤامرة «تقسيم المقسم» من الوطن العربي تجري على قدم وساق، وبعد العراق المنكوب، يتحدث الآن وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تقسيم سوريا، إذا فشلت المحاولات الحالية في الوصول لتسوية سياسية تحفظ وحدة الدولة، وربما يكون الوضع أسوأ في ليبيا التي قسمتها المصالح البترولية الأجنبية بالفعل باستخدام الدواعش والإخوان.

بينما يكافح شعب اليمن بمعاونة أشقائه الخليجيين ضد المد الإيراني الذي يريد تحويل اليمن إلى مركز انطلاق لحروب مذهبية تحاصر العروبة التي لم تغادر يوماً منطقة العداء لها، من حكم الشاه إلى استبداد الأئمة!

ونعرف الآن ـ أو هكذا ينبغي ـ أن الشعوب العربية تدرك أكثر من أي وقت مضى أن العروبة هي الحل وهي المصير، لا تفهم الشعوب لماذا لم يتم إنشاء القوة العربية المشتركة لمواجهة الأخطار التي تهدد كل الدول العربية، ولا تفهم الشعوب العربية لماذا لا يتم التوافق على حل عربي لإنقاذ سوريا وليبيا واليمن، وفرضه على أطراف خارجية تريد أن تفرض واقعاً لصالحها، وفي غياب العرب.

ولا تفهم الشعوب العربية معنى الخلاف على أمن الوطن العربي، بينما الكل مهدد، ولا تفهم مغزى التساؤل: هل أنتم مع أميركا أم مع روسيا؟ وهل أنتم في صف تركيا أو إيران؟.. الشعوب ترى وتفهم وتدرك شيئاً واحداً: أنها مع عروبتها.. القادرة وحدها على مواجهة الخطر.

Email