حين كان المهم أن تبقى سوريا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام، حلت ذكرى حدث عظيم، لم يعد يذكره أحد، ففي مثل هذه الأيام قبل 58 سنة، كان إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، يومها كانت الأحلام لا يسعها الكون كله، وكانت الطموحات بلا حدود، وكانت الشعوب العربية كلها تغني لـ «وحدة ما يغلبها غلاب».

لكن الظروف كانت صعبة، والمؤامرات كانت أكبر من الأحلام، والأخطاء ساعدت الأعداء على تنفيذ مخططاتهم، ليتم الانقلاب المشؤوم على الوحدة في سبتمبر 1961. ويومها كان الشعب العربي السوري ضد الانفصال، وكانت القوات العسكرية المصرية قادرة على إنهائه، لكن جمال عبد الناصر رفض أن يرتفع السلاح العربي إلا في مواجهة الأعداء..

وأدرك أن المطلوب من أعداء الوحدة أن تسيل الدماء، وأن تغرق سوريا (ومعها مصر والعالم العربي)، في صراع يضرب العروبة في مقتل، فكان القرار هو ليس المهم أن تبقى سوريا جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، لكن المهم أن تبقى سوريا.

سقطت دولة الوحدة بأخطائنا وبمؤامرات الأعداء، لكن سوريا بقيت، وظل شعبها يحمل المحبة لمصر ولعبد الناصر، ويحمل علم العروبة لعشرات السنين، بعيداً عن نزوة حاكم، أو قرار سلطة أو صراع عليها!

اليوم، تأتي الذكرى وسط هذه المأساة التي تعيشها سوريا ونعيشها معها، تغيرت الظروف، وتبدلت الأحوال، لكن ماذا لو أن الجميع تذكر أن المهم أن تبقى سوريا، كما قال عبد الناصر في لحظة الحسم، وفي مواجهة مؤامرة الانفصال.

تأتي الذكرى، وسوريا قد تحولت من أحد عناوين العروبة البارزة، إلى موقع للصراع على النفوذ بين القوى العالمية والإقليمية إلى مركز الإرهاب الدواعش، وإلى مشروع لإلغاء العروبة، ولتقسيم المقسم أصلاً من الوطن العربي، ولفتح الباب على اتساعه للحروب الطائفية والمذهبية.

لو أن بشار الأسد قد استوعب منذ البداية أن المهم أن تبقى سوريا، لما وصلنا إلى هذه المأساة التي يعيشها شعبنا العربي السوري، سواء في بلاده، أو في الملاجئ التي هجر إليها هرباً من الموت!

ولو أن الدول العربية قد استوعبت منذ البداية، أن المهم أن تبقى سوريا، لأدركت أن القوى الإقليمية غير العربية لا تريد إلا توسيع نفوذها، وأن القوى العالمية تتصارع على حساب العرب (كما هو الحال دائماً).

وأنها تدرك ـ منذ البداية ـ أن الحل السياسي، هو الذي سيفرض نفسه.. أو سيتم فرضه على الجميع.

الآن، تبدو هناك فرصة لإيقاف إطلاق النار. الكارثة أصبحت فوق احتمال الجميع. انتقل القرار للولايات المتحدة الأميركية وروسيا، والطرفان يعرفان أن الخطر تجاوز كل الحدود. وأن «داعش» لم يعد يهدد المنطقة وحدها، بل أصبح خطراً يهدد الجميع، بمن فيهم من أطلقوها ودعموها، دون أن يتعلموا من دروس سابقة مع «القاعدة» ومع «الإخوان» وغيرهما!

كان الحل السياسي ممكناً منذ البداية، لو أدرك النظام السوري أن المهم أن تبقى سوريا، وأن الباقي كله تفاصيل.

وكان الحل السياسي ممكناً، لو أدركت كل القوى الإقليمية التي لا تريد خيراً بالعرب، أنها لن تكون بعيدة عن النيران التي تشعلها في سوريا، وفي باقي أنحاء الوطن العربي، وأن الأمر حتى لو بدا إيجابياً بالنسبة لها في مرحلة ما، فإنه في النهاية لن يكون كذلك.

وكان الحل السياسي ممكناً قبل اكتمال الكارثة في سوريا، لو أدركت دول أوروبا أنها لن تكون بعيدة عن آثار ما يجري، وقبل أن يتدفق عليها عشرات الآلاف من اللاجئين، وقبل أن يتهددها الآلاف من رعاياها الذين تدربوا في حضن داعش بسوريا، وعادوا ليتحولوا إلى قنابل موقوتة تهدد بالانفجار في أي لحظة وفي أي مكان.

وكان الحل السياسي ممكناً من البداية، لو كانت هناك إرادة عربية فاعلة، تمنع الآخرين من أن يتعاملوا مع الوطن العربي على أنه ساحة لتصفية صراعاتهم ونشر نفوذهم، وتعرف أبعاد المؤامرة التي تريد تقسيم المنطقة من جديد على حساب العرب، وبهذا الثمن الباهظ الذي دفعوه، وما زالوا يدفعونه!

ويبقي السؤال: هل نتعلم الدرس؟ وهل تكون وحدتنا وقوتنا الذاتية، هي الطريق لكي نمنع كوارث أخرى عديدة تهددنا في طول الوطن العربي وعرضه؟

لعلنا نفعل لننقذ ما تبقى من سوريا، ولنستعيد القرار في كل ما هو عربي!

 

Email