غرائب مرشحي الرئاسة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو كما لو أن بعض من يخوضون السباق لرئاسة أميركا قد شاهدوا عدداً كبيراً من أفلام هوليوود من فئتي أفلام الحركة والخيال العلمي.

فخلال النقاشات الجمهورية الأولية في نيو هامبشاير، أخيراً، تم سؤال المرشحين عن القمر الاصطناعي الذي أطلقته كوريا الشمالية في المدار، وذلك بعد بضع ساعات فقط من إطلاقه. ومنذ ذلك الحين تم استنكار تلك العملية على نطاق واسع من قبل خبراء الدفاع والاستخبارات، بصفتها حيلة غير مجدية للتلاعب بالشعب.

ولكن عندما يتم سؤالك، بشكل مفاجئ، عن أمر يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن القومي، فإنك ستلجأ حينها لمبادئك التي تتمسك بها، بشكل وثيق، أو ربما لآخر فيلم شاهدته على شبكة «نيتفليكس» المختصة بالأفلام.

ساهم سيناتور تكساس، المرشح تيد كروز، الذي يبدو وكأنه قد ابتلع أحد النصوص السينمائية لمايكل كريشتون، في طرح احتمال أن يثير قمر اصطناعي نووي نبضاً كهرومغناطيسياً، يهوي بالشبكة الكهربائية في الساحل الشرقي بأميركا، ويقتل الملايين. ماذا عن الحل الذي قدمه؟ لقد قال: «يجب علينا وضع شبكات رصد للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية».

لكن لماذا يجب أن تتضمن كل مسألة أمنية ودفاعية سيناريو غير قابل للتصديق بشكل كبير وركض أميركا في جميع أنحاء العالم كما لو أنها خدمة إصلاح عند الطلب؟

وقال كروز أيضاً «إنني تعهدت، خلال اليوم الأول في المنصب الرئاسي، بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني بصورة تامة، لكي لا نجلس هنا متسائلين، طوال خمس سنوات، عن ما يجب القيام به حول إطلاق صواريخ إيرانية عندما تكون لدى إيران أسلحة نووية».

لقد أدى الاتفاق النووي الذي جرى عقده حديثاً مع إيران لأرباح غير متوقعة للصفقات الاقتصادية لشركة «بيجو» الفرنسية، و«إيرباص» وغيرها، وكذلك لما يقدر بنحو 18.4 مليار دولار في صورة عقود للشركات الإيطالية، مما يضمن دخول المستثمرين الأوروبيين لإيران.

غير أن ذلك لا يبدو متشدداً، بحيث يقفز «رامبو» كروز لاتخاذ إجراءات تعمد لافتعال الشجار. أشار حاكم ولاية أوهايو جون كاسيك إلى اتباع مسار «خشن للغاية»، من خلال دعم اليابانيين ضد كوريا الشمالية.

نعم اليابان، تلك القوة الإقليمية العظمى التي تعتبر إنجازاتها العسكرية والدبلوماسية المثيرة للإعجاب أخيراً، كثيرة لدرجة أنه ليس باستطاعتي ذكر اسم إنجاز واحد منها. لكن ذلك يعتبر مجرد تفصيل صغير عندما كان الحاكم «روكي» كاسيك في خضم إثارته لجلبة.

وعندما سئل الجمهوري جيب بوش عما سيفعله لإعادة طالب جامعي أميركي لأرض الوطن، كان معتقلاً في كوريا الشمالية، ذكر حاكم فلوريدا السابق كلمة «ضعف» مرات عدة في إجابته، مصراً على أن أميركا بحاجة لوقف الإشارة إلى علامات الضعف.

يعرف جيب بوش شيئاً عن علامات القوة، فلم يكن في جانبه خلال الحملة الانتخابية والمقابلات التلفزيونية سوى والدته، السيدة الأولى السابقة صعبة المراس، باربرا بوش. ولن يجرؤ أحد على الاستقواء على البلاد عندما تكون موجودة في الجوار.

ربما يجدر بباربرا بوش الترشح لرئاسة البلاد، على الأقل لأنه لا يتعين عليها الاستمرار في القول للجميع عن مدى قسوتها، حتى عند بلوغها سن التسعين. لماذا يتطلب إبراز القوة الكثير من الكلام دائماً؟ الحديث عن كون المرء قوياً هو في واقع الأمر ضعف شديد.

وتظهر القوة الحقيقية من خلال العمل والنتائج. وهو الفرق بين الرجل الهادئ ذي العضلات المفتولة، الذي يقصد الصالة الرياضية بشكل يومي، والرجل الضئيل الذي يتكلم باستمرار، ويطلق تهديدات جوفاء.

الصمت والمفاجأة هما أدوات المساعدة للقوة الحقيقية، فقط اسأل أي مُسير للقوات الخاصة. فلنتأمل الإجراءات العسكرية الروسية الحالية ضد تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط، حيث تتضمن منهجية تجفيف المستنقع الكثير من المعدات العسكرية، والقليل من الكلام.

حالياً، ثرثر رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، الموالي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المعروف بتسريب المعلومات عن وسائل الإعلام الاجتماعية (بما في ذلك صور الإرهابيين المتشددين المقتولين)، ثرثر للتلفزيون الروسي بأن القوات الخاصة للشيشان عمدت لتسريب عناصر لـ «داعش»، وتقديم المعلومات الاستخباراتية لروسيا.

وبما لا يثير الدهشة رفض الكرملين التعليق. ولكن إذا كان ذلك يحدث حقاً، فهو دليل آخر على فعالية الاحتراف الهادئ، الذي يفتخر به قديروف على الرغم من ذلك. لقد جاء الرد المنطقي بصورة أكبر لاختبارات السياسة الخارجية المفاجئة في النقاش الأخير للمرشح دونالد ترامب.

حيث قال: «أنا أتعامل مع (الصين). وأخبروني أن لديهم، بصورة عملية، سيطرة إجمالية مطلقة على كوريا الشمالية. تستقي الصين تريليونات الدولارات من بلدنا، وتعيد بناء نفسها من خلال المال الذي يتم أخذه من بلادنا. لذلك أرغب بتفويض الصين، والسماح لها بحل تلك المشكلة».

تعد الصين من بين كبار المستثمرين في سندات الخزينة الأميركية، مما يساعد على الحفاظ على الاقتصاد الأميركي عائماً، في حين أن المشرعين في البلاد يقيدون مناخ الأعمال لدرجة استعانة الشركات بمصادر خارجية للتصنيع في الصين.

وبعبارة أخرى، الصين وأميركا واقعتان في ما يسمى بالمواجهة المكسيكية، فالصين بحاجة للحفاظ على كونها قاعدة للصناعات التحويلية في أميركا، والأخيرة بحاجة للصين لدعم سندات ديونها. ومع ذلك، يبدو أن لا أحد على استعداد لاختبار النفوذ الذي هو في حوزة أميركا. فجميعهم ضائعون للغاية في أوهامهم الخاصة بأفلام جيمس بوند.

لدى بعض المرشحين للرئاسة إمكانيات كبيرة كأبطال أفلام هوليوود القائمة على الحركة، أو مستشاري نصوص أفلام الخيال العلمي. لكن نأمل أن يكون الشخص الذي سينتخب رئيساً متشبثاً بالواقع.

Email