إدارة أوباما و«نجوم» بترايوس

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهم الرومان القدماء في تنقية التاريخ من كل ذكر لأي بطل أو شخص مشهور سابق. وأطلقوا على مثل عمليات المحو تلك «إدانة الذاكرة».

وبشكل مماثل، عمد الاتحاد السوفييتي لمسح صور أي زعيم سابق أصبح غير لائق من الناحية السياسية.

وتبدو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مهتمة بشكل استحواذي بفعل الشيء ذاته مع الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس. إذ يفكر وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، حالياً، بخفض نجمة أو نجمتين من رتبة بترايوس المتمثلة في أربع نجوم، بأثر رجعي.

ويجيء التخفيض المحتمل في رتبة الجنرال، الذي يعارضه الجيش، كعقاب إضافي عن الهفوة التي اعترف بها خلال العام الماضي. وقد قبل بترايوس وضعه لمدة عامين تحت الرقابة، كما دفع غرامة تقدر بنحو 100 ألف دولار لسماحه لعشيقته، باولا برودويل، بالاطلاع على معلومات سرية خلال بحثها لكتابة السيرة الذاتية الخاصة به.

يظهر أن آشتون كارتر يريد التأكد من أن يُعامل ديفيد بترايوس بالطريقة ذاتها التي طالت الجنرالات والأدميرالات ممن تصرفوا بشكل غير لائق، وفقدوا رتبهم. غير أنه ليس هناك أي دليل على أن العشيقة (التي تتمتع بتصريح أمني عسكري خاص بها) قد شاركت المعلومات السرية، في أي وقت مضى، مع أي شخص، كما لم تفصح عنها في السيرة الذاتية.

بيد أن ذلك لا يبرر التقدير السيئ من جانب ديفيد بترايوس. ولكنه يستدعي مقارنة واضحة مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون. فلم ترسل الأخيرة معلومات سرية عبر بريدها الإلكتروني غير الآمن لأفراد عدة، وحسب، بل لا تزال غير صادقة بشأن تلك الحقيقة.

حتى يومنا هذا، لا نزال نجهل كم من الناس تلقوا معلومات سرية عبر بريد كلينتون الإلكتروني، أو ما إذا كان قراصنة الإنترنت تنصتوا على خادمها غير المعتمد. وبأي معنى من التناسب، يجب على وزارة عدل الرئيس باراك أوباما مقاضاة هيلاري كلينتون بالطريقة ذاتها التي انتهجتها مع ديفيد بترايوس.

وفي حال تبرئتها، فإن إدارة الرئيس الأميركي تؤكد الشكوك حول أنه لم تعد هناك أي قوانين أمنية للمسؤولين الحكوميين، وخاصة حينما يكونون أقوياء، وتتفق سياساتهم مع الرئيس.

لم يكن ديفيد بترايوس أي جنرالٍ بأربع نجوم فحسب. فقد كان الجنرال الأميركي الأكثر فاعلية وموهبة بعد الجنرال ماثيو ريدجواي، الذي أنقذ ما بدا أنه حرب كورية خاسرة. لقد روج بترايوس وفريقه ما يسمى بزيادة القوات في العراق، مع تجنيد عشرات الآلاف من العراقيين للانضمام للجهود الأميركية لهزيمة الإرهابيين المتطرفين والانقلابيين.

أنقذت جهود الجنرال بترايوس العراق، وآلاف الأرواح الأميركية والعراقية. وتولى الرئيس باراك أوباما منصبه في عام 2009 مع عراق هادئ في معظمه. ويوضح إرث بترايوس سبب زعم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أن العراق ربما يكون أحد «أعظم إنجازات» الإدارة الأميركية.

وتفاخر باراك أوباما نفسه في أواخر عام 2011 بأنه كان يعمل على سحب جميع القوات الأميركية من عراق «يتمتع بالسيادة والاستقرار والاعتماد على الذات».

وكان ذلك الادعاء صحيحاً، إلى أن أفضى الانسحاب العاجل من العراق، المدفوع سياسياً، لفراغ شغله إرهابيو تنظيم «داعش».

وعملياً، قد تكون إهانة ديفيد بترايوس بمثابة أمر غير حكيم بالنسبة لباراك أوباما، وبالتالي إعادة النظر في ملابسات الخروج الغريب للجنرال من إدارة أوباما.

قلما أشارت وسائل الإعلام إلى أن إدارة الرئيس الأميركي قد علمت بمأزق ديفيد بترايوس في وقت ما خلال فصل صيف عام 2012، تماماً في خضم حملة إعادة انتخاب الرئيس أوباما.

غير أن مفاجأة استقالة الجنرال غير المتوقعة من منصب مدير وكالة المخابرات المركزية جاءت بعد ثلاثة أيام فقط من إعادة انتخاب أوباما. كما أن الأمور التي كانت وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بها في ليبيا، على نحو دقيق، وما حدث في بنغازي، تعد بالمثل أموراً غامضة.

كان الأدميرال السكير وعاشق النساء إرنست كينغ المخطط للعودة البارزة للبحرية الأميركية، التي جرى تدميرها في بيرل هاربور. وبعد أقل من أربع سنوات تحت قيادة كينغ، دمرت البحرية الأميركية نظيرتها اليابانية بشكل كلي.

ومن المحتمل جداً أن الجنرال دوايت أيزنهاور، الرئيس الأميركي الرابع والثلاثين، كان على علاقة غرامية مع سائقة سيارته، كاي سمربي، وذلك في خضم إشرافه على عمليات حرب نورماندي. هل يتوجب علينا الآن تجريد أيزنهاور، الميت منذ فترة طويلة، من نجمته الخامسة، نظراً لاحتمال مناقشته مع عشيقته معلومات سرية أثناء إشرافه على جيش مكون من مليوني جندي؟

خسر ديفيد بترايوس سمعته، حيث استقال من وظيفته كمدير لوكالة المخابرات المركزية، وأقر بذنبه، وحُكم عليه بدفع غرامة، فضلاً عن وضعه تحت المراقبة، لذلك طفح كيلنا من ما جرى له. لقد آن الأوان للمضي قدماً بالنسبة إلى إدارة أخلت باستقرار العراق الذي جرى إنقاذه في وقت سابق من قبل رجل لا تزال أميركا تزدريه.

Email