التغير المناخي والمسار الصحيح

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ البداية نعلم أن قمة المناخ في باريس التي أقيمت قبل فترة، ليست النهاية بالنسبة للتحديات المستمرة لتجنب التغير المناخي الخطير.

وبناء على ما تعلمناه خلال السنوات العشرين الماضية من مفاوضات الأمم المتحدة، فإن من الصعب جداً أن نجعل نحو 200 دولة من العالم تتوصل إلى اتفاقية بشأن أي شيء، كالتحول في اقتصاد الطاقة العالمية.

لذلك بدأت المفاوضات بطريقة أشبه بالأمور البراغماتية، مع الإدراك أن كل دولة تتقدم بخطتها وهي مستندة إلى ما هو ممكن بدلاً مما هو مثالي، وبالتالي يمكن التوصل إلى اتفاقية بشأن ذلك.

وعلى الرغم من أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن المناخ متواضع، ولم يوحد العالم بشكل كلي، إلا أنه يرسل برسالة واضحة إلى سوق الطاقة العالمي، وهي أن: عهد الوقود الأحفوري قد انتهى، وبدأ اقتصاد عالمي للطاقة النظيفة بالتشكل.

وبما أن الاتفاقيات القديمة فتحت الباب من أجل مواصلة الاعتماد على الوقود الأحفوري في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند، فإن اتفاقية باريس توضح أن علينا جميعاً أن نعمل ضمن هدف مشترك وهو تجنب التغير المناخي الخطير.

وأخيراً، فإن سياسة الطاقة العالمية تعكس رسالة واضحة عن بحث التغير المناخي. لدينا غلاف جوي واحد تتشاركه الدول المتطورة والنامية، ولدينا كوكب واحد..

وتركيز ثابت متصاعد من غازات دفيئة وما يترتب على ذلك من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض وارتفاع مستوى سطح البحر، وتوسع الجفاف، وزيادة الأحداث الجوية المتطرفة، وجميعها لن تحتوي هذه الآثار كلية. وفي قمة باريس توصلنا، أخيراً، إلى اتفاقية تجعل كل الدول مسؤولة عن اتخاذ موقف معين بشأن المناخ.

وليست كل الدول تقدم الالتزامات ذاتها. لكن لا بأس في ذلك. ومن خلال الإبقاء على هدف تحديد الاحترار عند مستوى درجتين مئويتين، مع الأخذ في الحسبان أن تحديدها بدرجة ونصف مئوية يكون أفضل.

ودائماً ما يكون هناك دول قيادية ودول متقاعسة، وعلى غرار أوجه التقدم الأخرى، فإن الدول القيادية ستستفيد من الطاقة النظيفة، بينما ستترك الدول الأخرى كي تلحق بالمتطورة. ومن غير المهم أنه لايزال هناك جحود من جهة ممولي الوقود الأحفوري والعازمين على تنفيذ اتفاقيات ساذجة. (على سبيل المثال: كرة الثلج التي تدحض بطريقة أو بأخرى التغير المناخي).

وعبر تأمين اتفاقية مع كل دولة على سطح الأرض تقريباً، فإن قمة باريس أخذت على عاتقها تنفيذ وعد الطاقة النظيفة وأعطتها مجالاً كي تنمو. حتى إن الدول تستفيد بشكل كبير مما قاله الرئيس السابق جورج بوش عن «الإدمان على الوقود الأحفوري»، ولا يمكن المجادلة أيضاً في حتمية تطبيق الطاقة النظيفة.

حتى لو أن الدول المعنية قدمت خطة لتقليل الانبعاثات وتنمية الطاقة النظيفة الخاصة بها. ومع ذلك بدأت عملية التحول إلى اقتصاد الطاقة النظيفة وهذا عامل يصب في قوة تلك الدول.

ولا يمكن للمرء إدراك أهمية الاتفاقية المبرمة في باريس. فللمرة الأولى، واجه قادة دول العالم تحذيرات صارمة صدرت عن الباحثين الاختصاصيين في التغير المناخي، بدلاً من الإنكار والتأخير.

ولذلك فبينما توصف الالتزامات في باريس بأنها غير كافية لوضع مستويات غازات الدفيئة عند مستويات آمنة، فإنها تكفي لبدء دمج الانبعاثات للتوصل إلى مناخ آمن. وبدأت باريس العملية. وأتت بإطار عمل متواصل لتفادي التداخل الخطير مع المناخ.

وبوضعها المسألة في إطار اشتراطات تقنية أكبر، فإن اتفاقية باريس تصل إلى نصف الطريق المنشود. المسار المستقبلي لانبعاثات الكربون المنشودة قد تسخن الكوكب خمس درجات. الانخفاضات المتوافق عليها في باريس تقلل انبعاثات الكربون بنحو 3.5 درجات. أي نصف الطريق المفترض كي تصل إلى درجتين مئويتين من الاحترار، وهو المستوى الذي درس الكثير من العلماء تأثيره في التغير المناخي، والذي اعتبر أنه غير آمن.

مجموعات مختلفة أتت برقم مختلف عن هؤلاء، إلا أن النتيجة النهائية هي ذاتها: باريس لا توصلنا إلى مناخ آمن، ولا إلى طريقة يمكننا تصورها الآن. وفي المؤتمرات اللاحقة فإن التوصل إلى اتفاقية مباشرة للتوصل إلى اتفاقية أكثر صرامة لتقليل الانبعاثات.

الآن ليس الوقت للاستراحة كي نكتفي بما حققناه. هناك كمية لا بأس بها من العمل في انتظار أن نتمها في حال أردنا تجنب التغير المناخي الخطير الذي لا رجعة فيه. إلا أن هناك ضوءاً في آخر النفق، وأملاً بأننا لا نستطيع فقط بل نرتفع بالفعل إلى مستوى التحدي.

 

Email