خريف فلسطيني بامتياز!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الربيع» الدامي لم ينته بعد. جاء قبل أربع سنوات واستمر. لا كستناء في السوق. في السوق لحوم بشرية مشوية. أسلحة بالتجزئة وبالجملة.

شايلوك يريد أن يقتطع قطعة لحم ممن لم يدفع الثمن، وما من عربي إلا مطلوب منه ثمن. شايلوك شكسبير لم يعجبه رنين القرش من الذي شم رائحة الشواء، وشايلوك هذا الزمن، لم يكتف برنين الأصفاد تكبل أيدي عشرات آلاف الأسرى،..

ولا بجثث آلاف القتلى من دير ياسين إلى قبية إلى بحر البقر إلى قانا. إنه ربيع إسرائيل الذي خطط له دهاقنة الصهيونية وحاخاماتها منذ سنين. فقد حققت إسرائيل من خلال «الربيع» المسموم، ما لا يمكنها تحقيقه بطائراتها ودباباتها وأسلحتها النووية. لا يكفي شايلوك الجديد، التهام الأرواح البريئة في القدس ويافا وغزة، ولا بقتل طفلة في الثالثة عشرة، وعجوز في الثالثة والسبعين.

إنه يقتل الروح والجسد، ويعتقل جثامين القتلى. عدو مرعوب، يمتلك أسلحة نووية ويخشى نطفة منوية في ظهر فلسطيني ولد وكبر وتزوج وأصبح أباً بين انتفاضتين واحتلالين وما بينهما.

ضحك على العالم بكذبة الديمقراطية، وها هو «يلحس» الكذبة بممارسات ضد فلسطينيي 48. فقد أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أنه سيبحث مع المستشار القضائي للحكومة، اتخاذ إجراءات قانونية، تسمح بشطب أعضاء الكنيست العرب الثلاثة من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، بعد قيامهم بزيارة أسر الشهداء في القدس المحتلة، وهم:

جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس. ووفقاً لصحيفة «هآرتس» العبرية، تقدم نتنياهو بشكوى رسمية ضد أعضاء الكنيست الثلاثة، إلى ما يسمى لجنة الآداب في الكنيست.

وفي تعقيبهم على الخطوة، قال الأعضاء الثلاثة إنه بعد أن فهم نتنياهو أن لا مخالفة قانونية أو جنائية في اللقاء المعقود لتحرير جثامين الشهداء الفلسطينيين، يحاول الآن أن يحوّل كل الضجة الفارغة إلى مكسب سياسي لنفسه، من خلال تقديم اقتراح قانون لضرب التمثيل السياسي لفلسطينيي 48،..

لقد تطور وعي هؤلاء الفلسطينيين، وأدركوا أهمية الائتلاف والتوافق والقواسم المشتركة، وتوحدوا على برنامج عمل، وفي إطار مؤسسة تمثيلية واحدة، هي «لجنة المتابعة العليا» للوسط العربي الفلسطيني في الداخل.

أما في مناطق الضفة والقدس والقطاع، فالانقسام السياسي والجغرافي بين فصائل العمل السياسي الفلسطيني، وغياب مؤسسة تمثيلية موحدة، وبرنامج عمل مشترك، وافتقاد الاتفاق على أدوات مقومة متفق عليها، تجعل من مشروع الاحتلال مشروعاً غير مكلف على الإسرائيليين، ويُسبب الوجع المتراكم على أحوال الشعب الفلسطيني، ويؤدي إلى تفاقم معاناته، بهدف إفقاره وإضعافه، والوصول إلى حالة تجعل من الوطن الفلسطيني طارداً لأهله وأصحابه.

«طارداً» إلى أين؟

بدأت إسرائيل خطوات جادة لعزل وإنهاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وشطبه سياسياً وترهيبه وتهديده أميركياً، بوقف مساعدات الكونغرس للسلطة، بل محاكمة قادة السلطة في المحاكم الأميركية، وبدأت سلطات الاحتلال بخطوات عملية ملموسة لإنهاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، من خلال بناء آلاف المستوطنات، وعبر بناء مدينة كبيرة خلف رام الله، وتمتد حتي داخل فلسطين التاريخية.

لقد أنشأت إسرائيل روابط القرى عام 1978، لتكون أداة الاحتلال في إدارة الأرض المحتلة أصلاً من شخصيات عميلة لها وعناصر مشبوهة. لكن الشعب الفلسطيني وقف ضد الروابط العميلة، واغتال عدداً من قادتها. وتحولت الروابط إلى مليشيات محلية، تساعد قوات الاحتلال الصهيوني في أعمال العنف والقمع والتصدي للجماهير الفلسطينية.

وفي 9/‏3/‏1982، أصدر رئيس الوزراء الأردني، بصفته الحاكم العسكري العام، أمراً موجهاً إلى أعضاء روابط القرى، بين فيه الدور المرسوم لها من قبل إسرائيل وارتباطها بالمحتل..

وأعطى أعضاء الروابط مهلة شهر للانسحاب منها، وإلا فسيجري تقديمهم للمحاكمة بتهمة التعامل مع العدو، وهي تهمة تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام. وقد أسهم الأمر الأردني في عرقلة تجربة الروابط وانفضاض عدد من أعضائها والمتعاونين معها.

الواقع السياسي الفلسطيني المتشرذم مهيّأ الآن لتنفذ إسرائيل خطة روابط القرى، فقد أظهر استطلاع أجراه مركز أرواد الفلسطيني، تراجع شعبية سلطتي فتح في الضفة وحماس في قطاع غزة، كما أظهر انخفاض نسبة من يعتقدون أن المجتمع الفلسطيني يسير بالاتجاه الصحيح من 49 % إلى 30 %،..

وأكثر من ذلك، عبر 79 % من أهالي قطاع غزة عن اعتقادهم بأن مجتمعهم يسير في الاتجاه الخاطئ، يعود ذلك إلى سياسة التسلط والأحادية، التي تمثلها حركة حماس وهيمنتها المنفردة على قطاع غزة.

 

Email