السياسة والرياضة.. ملاحظات أولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل هناك علاقة بين السياسة والسياسيين وبين الرياضة؟

العلاقة بين السياسة والطبقة السياسية وبين الرياضة تختلف من الدول الديمقراطية المتقدمة ذات التقاليد عن الدول والنظم السياسية الجنوبية، من حيث توظيف الرياضة في السياسة وحدوده، بين كلا النمطين من النظم السياسية.

في الديمقراطيات الغربية الأكثر تطوراً، الحق في الرياضة لجميع المواطنين، من حيث توفير الدول المناشط الرياضية المختلفة للجميع بلا تمييز، ووفق اختيارات المواطنين سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية، والحق في ممارساتها.

رياضة البطولات ــ في كل المجالات ــ جزء لا يتجزأ من أنشطة الأندية الكبرى، والصغرى التي تعتمد في تمويلها على بعض الشركات الكبرى التي ترعى هذه النوادي وفرقها ونجومها في كل أنواع الرياضيات.

وذلك كجزء من دعاية هذه الشركات لنفسها بين الجماهير عموماً، أو تعتمد على تمويل بعض كبار رجال الأعمال لهذه النوادي. بعض هؤلاء الأثرياء يتخذ من تمويله ودعمه للنوادي الكبرى الشهيرة لاسيما في كرة القدم مدخلاً لتحقيق شهرة وذيوع جماهيري يوظفه في الدخول إلى عالم السياسة ومنافساتها، ووسائل الإعلام الجماهيرية الكبرى لاسيما التلفزيون، وقد يحقق بعضهم نجاحاً، وقد يخفق في تحقيق هدفه.

هناك تمايز بين السياسة والرياضة وفرقها وبطولاتها ونجاحاتها، وبين العمل السياسي والحزبي في الأطر الديمقراطية وقواعد عملها، بحيث لا تؤثر الرياضة في العمليات السياسية، والمنافسة الحرة بين الأحزاب والسياسيين، ولا تؤثر الهزيمة أو النصر في مآلات العمليات السياسية وشعبية الطبقة السياسية الحاكمة، إلا نادراً واستثنائياً.

في النظم السياسية في إطار دول جنوب العالم، يختلف وضع الرياضة في العلاقة مع السياسة بين دول تأخذ بالتعددية السياسية والديمقراطية، وبين الدول الشمولية والتسلطية - في الدول الديمقراطية - ومثالها الهند، والبرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا على سبيل المثال - لا يزال للرياضة بعض الدور النسبي وبعض التأثير في مكانة بعض السياسيين من حيث الشهرة والذيوع والمكانة، خصوصاً بعض ذوي الاهتمامات الرياضية لبعض الفرق الرياضية، أو القومية في هذا الصدد.

مع رسوخ التقاليد الديمقراطية يتراجع نسبياً هذا الدور للرياضة في السياسة، وعندما لا تحقق بعض الفرق الرياضية انتصارات قارية، وإقليمية تتحول بعض هذه الهزائم إلى أزمات تستدعي تدخل بعض السياسيين للتعامل مع أسبابها ومشاكلها وحلولها.

في الدول الشمولية والتسلطية تلعب الرياضة وكرة القدم عديداً من الأدوار السياسية التي يستخدمها رجال السياسة، ومن هذه الأدوار ما يلي:

1- الدول والمجتمعات التي ترتكز على تكوينات مجتمعية متعددة اللغات، والأعراق، والقوميات، والمناطق، تلعب الفرق القومية وظيفة المساهمة في بناء الهويات القومية، والتماسك الجماعي، والولاءات الكبرى باسم الوطنية، أو القومية، من خلال قدرة الفرق القومية على استقطاب الولاءات ما فوق الأولية - القبيلة والعشيرة والدين والمذهب واللغة والعرق والمنطقة والشرائح الاجتماعية المتصارعة - حول مفهوم الوطنية.

2- الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً، تشكل أحد مصادر التعبئة الوطنية والاجتماعية، وإحدى قنوات استقطاب الاهتمامات العامة للجماهير خارج المجال السياسي، لاسيما في ظل غياب الديمقراطية أو تعثر عمليات التحول نحوها في بعض هذه البلدان. من ناحية أخرى يستخدم الحكام الديكتاتوريون والتسلطيون الرياضة وكرة القدم تحديداً في الترويج لشعبيتهم ومحاولة وقف تدهورها في بعض الأحيان.

3- في مصر، كانت الرياضة هي مجال الاستقطاب الجماهيري بين بعض الفرق الكبرى التي تحولت إلى ما يشبه الأحزاب السياسة الكبرى..

وذلك بديلاً عن العمل السياسي المباشر المحرم خارج نظام الحزب السياسي الواحد، أو الحزب الحاكم في ظل التعددية الحزبية الشكلية والمقيدة، يلاحظ هنا أن الطبقة الوسطى المصرية اتخذت من انتخابات الأندية الرياضية الميدان الأساسي لها في الممارسة الديمقراطية، وضمان نتائج ترشيحها وتصويتها في الحدود الدنيا المأمونة في مواجهة سياسة تزوير نتائج الانتخابات والاستفتاءات العامة.

4- أحد أبرز اهتمامات الشباب في ظل التسلطية السياسية وندرة الفرص، الانخراط في تشجيع الفرق الرياضية لاسيما كرة القدم، ثم تشكيل فرق الألتراس كنتاج للعولمة وثورة المرئيات والرقميات، والتي تحولت بفعل موت السياسة والقمع إلى أحزاب سياسية بل وصلت إلى حد أصبحت أقرب إلى الطوائف ذات اللغة الخاصة، والشعارات، والانضباط التنظيمي الصارم..

وقدرة قادتها على الحشد، والتعبئة، والأخطر أنها تمارس ضغوطاً ثأرية على السلطة السياسية، والأمن.

5- إن تأييد السلطة للألتراس في البداية دون التنبه إلى أصول المشكلة السياسية والجيلية أدى إلى تحول الظاهرة إلى سياسية بامتياز، بعد 25 يناير، وسعي بعض القوى السياسية إلى توظيفها لتحقيق أهدافهم.

7- ظاهرة الألتراس هي الوجه الآخر الموازي لسعي بعض المنظمات الدينية والسلفية لتديين المجالين العام والخاص، والسياسة، وتضييق دائرة الأنشطة الشبابية والجماهيرية في إطار التدين المذهبي المسيس، ومن ثم وجد غالبهم في الألتراس ملاذاً وفي كرة القدم مجالاً واسعاً لاستيعاب طاقاتهم.

إن العودة إلى مسار الإصلاح الديمقراطي المأمول، يعني عودة السياسة، ومن ثم إعادة توزيع الطاقة الجيلية الشابة في مناشط سياسية واجتماعية وطنية تتجاوز حدود الانتماءات الضيقة للفرق وتحررها من التعصب والتحيز والعنف. المشكلة اجتماعية وسياسية وثقافية بامتياز، وحلولها تكمن في استيعاب جذورها وأسبابها، والعودة إلى السياسة مجدداً.

 

Email