الدورة الخمسية للثورة المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداً الخميس الحادي عشر من فبراير عام 2016، ذكرى مرور خمس سنوات كاملة على تنحي الرئيس مبارك عن الحكم في مصر، ومن الطبيعي أن نسمع أينما ولينا وجوهنا سؤالاً منطقياً حول الأوضاع الراهنة ومقارنتها بنظيرتها في عهد الرئيس الأسبق.

أما المنطقية فمصدرها أن المنهج المقارن هو أحد الأسس العلمية للدراسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحياتية عموماً، ولا فرار منه حتى عند تقييم أمورنا الشخصية، وفي مصر تحديداً تظل المقارنة دوماً عنصراً أساسياً في العملية السياسية، فحتي يومنا هذا هناك بقية من مقارنات بين مصر الملكية في عهد الملك فاروق ومصر الجمهورية في عصر جمال عبد الناصر وأيهما أفضل؟!

منطقية السؤال أيضاً تنطلق من حقيقة مرور خمس سنوات كاملة على ثورة يناير، وبالتالي فنحن أمام وحدة زمنية كاملة يمكن التقييم على أساسها باعتبار أننا أمام ظروف وتطورات عديدة أخذت حقها التام من النشوء والنمو والتبلور بمقدمات وكذلك بتداعيات ونتائج لا تخطئها العين ويصبح التقييم بذلك مبنياً على ظواهر حقيقية لتجربة كاملة ذات مدخلات ومخرجات واضحة، على غرار ما يحدث في الخطط الخمسية التنموية في مجالات متنوعة.

ثمة حقائق وتطورات أخرى تدعم منطقية السؤال، من بينها أمر يتعلق بطبيعة الثورات ذاتها، حيث إنها تمثل في الغالب تطوراً مجتمعياً وسياسياً يفترض فيه نقل حياة الإنسان من وضع سيئ إلى حالة أفضل بكثير للأمن التي كان عليها على المستويين الفردي والجماعي، وأمر آخر يرتبط بالتجربة المصرية ذاتها التي شهدت تطورات وأحداث ربما كانت أغرب من الخيال في ضوء مقدمات الثورة وأحلامها وآمالها المبكرة.

تلك الأحداث التي جرت على مدار السنوات الخمس الماضية جعلت من المقارنة مسألة في منتهى الصعوبة، لأن منهج المقارنة يتطلب في هذه الحالة تحديد عناصر واضحة ودقيقة وإخضاعها لأسس المقارنة المنهجية، فالمقارنة المطلقة قد تقودنا إلى نتائج مبتسرة وكذلك المقارنة الظاهرية قد تنتهي بنا إلى نتائج متسرعة.

ولعل من أغرب الظواهر التي عانت منها الثورة المصرية في بداياتها هي افتقادها إلى قيادة حقيقية- وليس بالضرورة قائدا حقيقيا- وأفق سياسي واضح ومتكامل، ولكن كانت هناك قوى أساسية محركة للثورة التي شارك فيها عشرات الملايين، على رأسها بالقطع وكما هو معلوم المجموعات الشبابية وجماعة الإخوان المسلمين وانتهى بهما الحال إلى التشرذم والسجون لأسباب يطول شرحها، أما المبادئ التي رفعتها الثورة: العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فلم تكن أكثر من شعارات إصلاحية لا تصبغ برنامجاً سياسياً لبناء دولة.

ويستدعي ذلك التفرقة بين الفعل الثوري الذي استمر من الخامس والعشرين من يناير وحتى الحادي عشر من فبراير يوم توحدت مصر في مشهد حضاري نادر الحدوث والتكرار، وما تبع ذلك التاريخ من أحداث ليست خافية علي المتابعين للشأن المصري منذ الإعلان عن «سقوط النظام» يوم دخلت مصر في دوامة خبيثة من العنف والخراب والتوتر الأمني والمجتمعي والموت المجاني.

أليس غريباً أن الدولة التي حكمها رئيس واحد طيلة ثلاثين عاماً هي ذاتها الدولة التي تقاطر على حكمها أربعة رؤساء ما بين انتقالي ومخلوع ومؤقت ومنتخب خلال ثلاث سنوات فقط؟ فضلاً عن العشرات من رؤساء الوزراء والوزراء الذين لم يكن بمقدور المواطن حفظ أسمائهم من كثرة تغييرهم، أضف إلي ذلك استحقاقات دستورية وانتخابية عديدة ومتكررة ما بين برلمانية ورئاسية وإعلانات حاكمة وتكميلية أصابت الشعب بالملل والإرهاق إلى حد العزوف عن المشاركة الفعالة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

هذه المشاهد لم تكن سوى مرآة عاكسة لحالات التوتر الأمني البالغ والانفلات المجتمعي والسلوكي الذي عانت منه مصر، وفي كل مرحلة من تلك المراحل كان التخريب والتدمير والتوتر والقلق هي السمات المهيمنة على الدولة ككل، حتى يوم خروج الشعب في الثلاثين من يونيو عام 2013 بالملايين معلناً رفضه حكم الإخوان، لم تمر الأمور بسلاسة ولكن بخسائر باهظة على مستويات عديدة.

وحتى بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام التالي بأغلبية جماهيرية طاغية وإقرار دستور البلاد الجديد واستكمال مؤسسات الدولة بانتخاب مجلس النواب أواخر العام الماضي، إلا أن السفينة تسير وسط أمواج عاتية وبكثير من الصعوبات والمعوقات الداخلية والعراقيل الخارجية، ولا تكاد البلاد تستشعر نسائم الخروج من عنق الزجاجة حتى تتعرض لأمور طارئة تأخذها خطوات إلي الخلف، ليجد الشعب نفسه مضطراً إلى طرح التساؤل مجدداً: ماذا جنينا من الثورة غير الخراب والدمار والقتل والتدهور الاقتصادي والأمني والاجتماعي والانفلات السلوكي؟

هل كان المراد من الثورة فقط انتخاب رئيس جديد ووضع دستور مختلف وانتخاب مجلس آخر للنواب بكل هذه التكاليف، ألم تكن البلاد تمتلك قبل الثورة كل هذه المؤسسات من دون تلك المعاناة؟ لماذا إذاً هذا الثمن الباهظ لانتخاب المؤسسات الجديدة إذا كان هذا هو الهدف من الأساس، وهو بالتأكيد ليس كذلك؟

الهدف من هذه التساؤلات كما سبق الذكر هو البحث عن إجابة لسؤال المقدمة، هل كانت أيام ما قبل الثورة بكل سوءاتها أفضل من الأيام الحالية بكل مشاكلها؟ التعمق في البحث عن الإجابة قد يقودنا للقول إن عهد ما قبل الثورة كان قد وصل إلى درجة من السوء يصعب احتمالها، وأيامنا الجارية مفعمة بالتوتر والقلق والتعثر، ولكن مصر تحاول تجاوز الصعاب ولملمة أمورها وتوحيد صفوفها وراء أحلام وطموحات ومشروعات رئيس أجمع عليه غالبية الشعب وهو السيسي.

Email