طرائف انتخابات ولاية أيوا الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم أن حملات انتخاب الرئيس الأميركي لا تخلو عادة من طرافة إلا أن مرشحيها هذه المرة تفوقوا على سابقيهم وتفوق عليهم الإعلام الأميركي في طبيعة تغطيته.

فجيب بوش الذي خرج مهزوما من ولاية أيوا، سافر مباشرة إلى ولاية نيوهامبشير التالية لها مباشرة في السباق التمهيدي.

وفى إحدى خطبه الانتخابية، تحدث الرجل طويلاً عن الكيفية التي سيتعامل بها مع الأمن القومي الأميركي وقدم تعهدات قوية ينفذها حينها كقائد أعلى للقوات العسكرية الأميركية وسط صمت مدوٍ للقاعة، أصابه بالإحباط الذي بدا واضحا على ملامحه واضطره أن يطالب الجمهور بأن "من فضلكم صفقوا"!

وبوش جاء متأخرا للغاية في ترتيب المتنافسين الجمهوريين، مثله مثل حاكم ولاية نيو جيرسي، كريس كريستي، الذي ما إن أعلنت النتائج وصور الإعلام ماركو روبيو باعتباره "النجم الصاعد" حتى شن عليه كريستي هجوما شرسا ووصفه بأنه "الولد الذي يعيش داخل الفقاعة" وأن عليه أن "يتصرف كرجل.. ويتوقف عن الاستعانة بمن يكتبون له خطبه ويبرمجونه".

أما الذي حصل على أعلى الأصوات بين الجمهوريين في الولاية، تيد كروز، فقد اتضح أن حملته كانت قد روجت بين الناخبين قبل الاقتراع لإشاعة مؤداها أن محطة سي إن إن أعلنت أن المرشح الجمهوري بن كارسن، منافسه الرئيسي على أصوات اليمين الديني، على وشك الانسحاب من السباق.

وكان الهدف بالطبع إقناع ذلك القطاع بتحويل أصواتهم لكروز. وقد نفت سي إن إن بقوة أنها أذاعت مثل ذلك الخبر، مما اضطر كروز للاعتذار لاحقا.

لكن تلك لم تكن الحيلة الوحيدة التي استخدمتها حملة كروز، التي يبدو أنها كانت على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق الفوز. فقد اتضح أن الحملة أرسلت خطابا لناخبين على أوراق تبدو وكأنها حكومية تحذرهم من أنهم "ينتهكون قوانين الانتخابات"، أملاً في إثنائهم عن التصويت.

أما دونالد ترامب الذي جاء في الترتيب التالي مباشرة بعد تيد كروز فبعد أن ألقى كلمة مهذبة فور إعلان النتيجة هنأ فيها خصمه الفائز، اختفى تماما من على موقع تويتر، لمدة ثلاث عشرة ساعة متصلة لأول مرة منذ بدء حملته الانتخابية، ثم إذا به يعود ليطالب بإعادة انتخابات أيوا بسبب ألاعيب حملة كروز، وصرح بأن "كروز لم يفز بولاية أيوا وإنما سرق أيوا". وهو التصريح الذي أدى بكروز لأن يقول إن طفلتيه الصغيرتين أكثر تأدبا من ترامب!

أما على جانب الحزب الديمقراطي، فقد اتضح أن هيلاري كلينتون التىي أعلنت أنها "تتنفس الصعداء" لفوزها على منافسها الديمقراطي برني ساندرز، فازت في عدد "غير معلوم" من مقاطعات ولاية أيوا عن طريق استخدام لعبة "ملك وكتابة" الشهيرة! فالفارق بينها وبين ساندرز كان ضئيلا للغاية يصل لأقل من 0،2% مما أدى لاستخدام مسؤولي الانتخابات تلك الحيلة.

وعدد المقاطعات "غير المعلوم" استفز سكان الولاية حتى أن صحيفة رئيسية بها اعتبرت أن الولاية صارت "أضحوكة العالم".

ولم يقل طرافة عن ذلك مغزى إجابة ساندرز عن سؤال من أحد الصحفيين حول ما إذا كانت هيلاري كلينتون "تقدمية". فهو أجاب بأنها "تقدمية أحيانا". والحقيقة أن ساندرز كان في إجابته يشير إلى وقائع حدثت بالفعل، حيث تقول كلينتون عن نفسها "معتدلة" في بعض الولايات، وتستخدم تعبير "تقدمية" في أخرى، وفق طبيعة الولاية ونوعية الناخبين الذين تستهدفهم حملتها.

الأطرف من ذلك أن هيلاري "التقدمية" تسعى للدفاع عن نفسها اليوم بعد أن اتضح أنها وقت أن كانت وزيرة للخارجية تلقت 675 ألف دولار من بنك جولدمان ساكس مقابل سلسلة من المحاضرات! أما برني ساندرز، "التقدمي" وفق أغلب الإعلام الأميركي، فله مواقف لا يمكن أن توصف بالتقدمية بالذات في السياسة الخارجية.

ولا يقل طرافة عن كل ذلك الطريقة التي غطى بها الإعلام نتائج انتخابات ولاية أيوا. فالإعلام أعلن "فوز هيلاري بهامش بسيط" و"هزيمة ترامب"، بينما وصف ماركو روبيو بأنه "النجم الصاعد" في الانتخابات. فإذا كان هناك من فائز على جانب الديمقراطيين، فهو في الحقيقة ساندرز.

فرغم أنه لا يملك حجم التمويل ولا الآلة السياسية لكلينتون وتعرض لتجاهل الإعلام، فهو استطاع أن يصيب حملة منافسته بجروح عميقة، إذ فاز بأغلبية ساحقة بين الشباب، بينما لم تحقق هي "الفوز" إلا بلعبة "ملك وكتابة".

أما دونالد ترامب الذي اعتبره الإعلام قد انهزم، فقد جاء ترتيبه سابقا على ماركو روبيو الذي اعتبره الإعلام "النجم الصاعد"! وروبيو في الحقيقة لم يكذب خبرا. فهو ألقى، بمجرد إعلان النتائج، خطبة "انتصار"، شبهها الكثيرون بالخطبة التي ألقاها أوباما حين فاز في الولاية فعلاً عام 2008!

اللافت في كل ذلك أن فوز كروز في اليمين، وصعود برني ساندرز في اليسار يشرح حجم الاستقطاب السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة.

Email