الحضارة الإماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطلقت يوم أمس، الدورة الرابعة للقمة العالمية للحكومات، باستضافة دبي، والتي تشارك فيها 125 دولة، و3000 مشارك من خبراء القطاعين الحكومي والخاص، و125 متحدثاً عبر 70 جلسة، وذلك تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل»، لتمثل أكبر تجمع عالمي للحكومات، واليوم يمكننا القول بأن الإمارات تعد شريكاً أساسياً في خدمة العالم والبشرية، باعتبارها مشروعاً حضارياً جديداً للعالم أجمع.

الحضارة مجهود متواصل ومستمر من العلم والثقافة وخدمة البشرية، وليست بكاء على الأطلال واستدعاءً للتاريخ، والتمجد بإنجازات الماضي، ونسيان الحاضر المحتضر، فالكثير من الحضارات نساها التاريخ، ولم تعد موجودة، لأنها توقفت في زمن معين، ولم تكمل المسيرة، حتى إنجازاتها جار عليها الزمن، ولم تعد تخدم البشرية، وما تبقى منها إلا تماثيل ومعالم تاريخية.

في دراسة للتاريخ وحضارة أسلافنا، نجد أن دولة الإمارات خلال مسيرة الاتحاد، ماضية نحو بناء الحضارة، ورسم طريق جديد لخدمة البشرية، واليوم نجد أن في الإمارات أبنية ومعالم يشهد لها التاريخ، ومدونة في الكثير من الصفحات، وستدون في التاريخ لمئات، بل لآلاف السنين، وعندما نذهب لدراسة علوم التاريخ ومستكشفات الحضارات، ونزور مكتبات التاريخ، ونقرأ ثقافات الحضارات السابقة، سنكتشف أن الحضارة قائمة على علم ومعالم، وهذا ما نعمل من أجل بنائه في إماراتنا.

إمارات الحضارة هي الطموح الذي نريد أن نصل إليه، وشيوخنا، حفظهم الله، يشكلون دعماً راسخاً لهذه المسيرة، فعندما يشارك مجموعة من شيوخ وقادة الإمارات، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وسمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، حفظهما الله، في القمة العالمية للحكومات، التي انطلقت يوم أمس، فهذه الإضافة التي تقدمها دولتنا للعالم وخدمة البشرية، تؤكد على حرص مؤسساتنا على وضع الأسس المنهجية لمجد قادم، وحضارة تصنع وتحفظ في طيات تاريخها مجداً وعزاً.

عندما تكون الإمارات محتضنة استثماراً ثقافياً يبلغ في قيمته المليار درهم، وبمساحات تتجاوز المليون قدم مربعة، وهنا الحديث ليس عن استثمار تجاري، بل عن استثمار علمي وثقافي «مكتبة محمد بن راشد»، والتي تعد المكتبة الأكبر عربياً، بإجمالي كتب يبلغ 4,5 ملايين كتاب، بين كتب مطبوعة وإلكترونية ومسموعة، وبعدد مستفيدين متوقع سنوياً يبلغ 42 مليون مستفيد من حول العالم، فيكون لزاماً علينا أن نقر بما تقوم به دولتنا من إنجازات لخدمة البشرية ونهضة للعلم.

وأيضاً بتتبع المعاني السامية في كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد «سنحتفل بتصدير آخر برميل نفط»، والتي أعاد تغريدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وأعرب عن عقد خلوة وزارية موسعة، بحضور الحكومات المحلية وخبراء الاقتصاد، لمناقشة اقتصاد الإمارات ما بعد النفط، ومن قبل كل هذا المبادرات العلمية والتعليمية في الدولة، والعمل على تنشئة جيل محب للقراءة والثقافة، فإن كل هذا يجعلنا نبرهن أن الإمارات ماضية في صناعة حضارة ممتدة ومستمرة، سلاحها العلم والمعالم.

فبناء مستقبل اقتصادي وثقافي وعلمي مستدام للأجيال القادمة، والاحتفال بتصدير آخر برميل نفط، وعدم الاعتماد على النفط كركيزة أولى في الاقتصاد الوطني، والتنويع في المصادر الاقتصادية، وهذا ما عهدته الإمارات طوال السنوات الماضية، لذلك نشاهد أن تأثرنا بتراجع أسعار النفط لتصل لأدنى مستوياتها منذ اثني عشر عاماً، كان طفيفاً، يكاد لا يذكر، وهذا بفضل الرؤية المستقبلية، والعمل الدؤوب من قبل قياداتنا الحكيمة.

الكثيرون يعتقدون أن بناء الحضارات كان في الزمن الماضي في التاريخ، ولا يوجد بناء للحضارات في الزمن الحالي، لكن حاضرنا اليوم، وما نصنعه من ريادة في الإمارات، وبتسليح أفراد مجتمعنا بالثقافة والعلم، وإيجاد منابع للعلم داخل الدولة، كالمكتبات الكبيرة والمختبرات العلمية، سنصنع حضارة ستسطرها كتب التاريخ، ونحن ماضون في هذه المسيرة.

الإمارات التي تستعد لغزو الفضاء، وتجابه بهذا أكبر الدول المتقدمة في هذه المجالات، ونحن هنا لا نقصد المنافسة فقط، بل نقصد إثراء العالم بعلوم واكتشافات جديدة، تقوم الإمارات بدعمها خدمة للبشرية واستشراقاً للمستقبل، وهذا كفيل بأن يتمم مكونات صناعة الحضارة، علماً ومعالم ونظرة مستقبلية وعملاً دؤوباً.

الرهان يبقى على قدرتنا كشعوب في مساندة حكوماتنا وقياداتنا، وأن نكون على قدر المسؤولية بجهودنا ومساهماتنا الشخصية نحو صناعة الإنجازات العلمية، وأن نربي أجيالنا على فكرة إمارات الحضارة، وأن نوجه طاقات الشباب وإبداعاتهم وعلومهم نحو خدمة المجتمع الإماراتي وخدمة البشرية، وشيوخنا يوفرون الفرص الكبيرة لمشاركتهم قراراتهم، وأن يكون للشعب بصمته في التغيير، وخير الأمثلة وأحدثها «مطلوب وزير شاب»، وأيضاً، تواصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، يوم أمس، مع 10 ملايين متابع عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة بأفكارهم وخططهم لمستقبل العالم.

الحضارة الإماراتية، اسم جديد في تاريخ الحضارات، عملنا وسنعمل من أجل صناعته، فالحضارة تُصنع لا تُكتَسَب، والتاريخ لن يشفع لنا إذا لم نحول تلك الطفرة الاقتصادية لحضارة وثقافة يتوارثها الأجيال، ونحن في الإمارات نعي هذه المسألة، لذلك نعمل على كتابة مسمى جديد في الحضارة، سيسميها التاريخ الحضارة الإماراتية، ونحن نراهن أن الإمارات ستكتب في التاريخ في أجمل صفحاته، وحضارتنا مستمرة في خدمة البشرية، فما تشاهدونه اليوم من معالم تناطح السحاب، غداً سيكون في الإمارات عقول بأفكارها وإبداعاتها تصل عنان السماء.

Email