الاستيطان وسنواته السبع السمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفيد أحدث معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، أن عدد المستوطنين اليهود في الضفة الفلسطينية المحتلة زاد خلال أعوام ولاية بنيامين نتانياهو السبعة منذ 2009 بمعدل 55%، من 260 ألفاً إلى 400 ألف. هذا دون احتساب مستوطني القدس الشرقية البالغ عددهم 220 ألفاً، أي أن هناك الآن حداً أدنى زهاء 620 ألف مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967.

المحتوى الصادم لسياسة نتانياهو ومحازبيه الاستيطانية يتجلى أكثر من ملاحظة أنه «خلال هذه السنوات السبع، زاد سكان إسرائيل اليهود بنسبة 13%؛ بوتيرة سنوية قدرها 1.8%، بينما وصل هذا المعدل في المستوطنات نحو 6.5%، وهذا يعادل أربعة أمثاله لدى اليهود عموماً وضعف متوسط الزيادة السنوية بين الفلسطينيين البالغة 3.2% تقريباً».

يعلل المحللون الإسرائيليون هذه الزيادة القياسية في أعداد المستوطنين بمعدل المواليد المرتفع لديهم؛ الذي يعزى بدوره إلى ضفيرة الحوافز والمشهيات الاقتصادية والاجتماعية والمخصصات المالية التي منحتها لهم حكومات نتانياهو.

وهناك سبب آخر يسترعي الانتباه، يتعلق باستشعار المستوطنين بأنهم شركاء متميزون في قمة السلطة والحكم، وما عاد انتشارهم المحموم في أحشاء الأراضي الفلسطينية سلوكاً مثيراً لتحفظات الحكومة أو مخالفاً لتوجهاتها العامة.

يقول سيفر بلوتسكير المعلق بصحيفة يديعوت أحرنوت «تعود الزيادة السكانية في المستوطنات إلى الهجرة الداخلية الأيديولوجية، باعتبار أن الاستيطان بات محل إجماع لدى الغالبية العظمي من اليهود في الدولة».

مؤدى هذه القناعة أن نتانياهو، بشغفه في مخططات التوسع الاستيطاني وتصديقه عليها وتمويله لها، إنما يرضخ لميول القوى الشعبية المناصرة للأحزاب المؤتلفة في حكوماته. ولأن إرضاء جشع هذه القوى ومطامعها في أراضي الفلسطينيين غاية لا تدرك، فمن غير المرجح أن يتوقف التمدد الاستيطاني عند نقطة جغرافية أو تاريخية محددة.

ندفع بهذا التقدير وفي الذهن أن نتانياهو أثبت في غير اختبار، حرصه على استعطاف شركائه الحكوميين وقواعدهم الشعبية، نابذاً وراء ظهره أي تداعيات سلبية محتملة من مفاوضيه الفلسطينيين أو الإقليميين أو الدوليين، لنتذكر كيف أطاح هذا الحرص مفاوضات حل الدولتين لأكثر من مرة؛ كان آخرها في أبريل 2014.

المعلق بلوتسكير يؤيد هذا الاعتقاد ويرى أن المعادلة السكانية التي رعاها نتانياهو في سنواته السبع، أنتجت واقعاً قومياً لا يمكن معه تطبيق حل الدولتين لشعبين وإذا استمرت هذه المعادلة على هذا المنوال لسبع سنوات أخرى، فسوف يسكن المنطقة، التي كانت تسمى الضفة الغربية والقدس الشرقية، مليون يهودي، عندئذ قولوا وداعاً للصهيونية ومرحباً بالدولة ثنائية القومية

. لا يبدو في أفق السياسة الإسرائيلية ما يحول دون وقوع هذا السيناريو، وإن حدث ذلك على أرض الواقع، فقد تمسي فلسطين التاريخية برمتها ساحة صدام قومي مفتوح، ولا هدنة فيه.

وما سيتم توديعه ليس الصهيونية وإنما هدف السلام الدائم أو حتى التسوية السياسية طويلة الأجل، فمعظم الدول ثنائية القومية فشلت في إقرار السلم الاجتماعي بين شركائها، وآلت إلى التصدع والحروب الأهلية ولو بعد عشرات السنين من التعايش على صفيح ساخن، فكيف الحال بالحالة الصهيونية الفلسطينية؛ المشحونة بكل عوامل الشقاق والبغضاء؟

ربما لم يكن حل الدولتين مثالياً بما فيه الكفاية، لكنه يبقى أفضل الممكن في إطار هذه الحالة. ومفتاح هذا الحل؛ الذي يضع حداً معقولاً للصراع الدامي المستعر في فلسطين، معلق بوقف وحش الاستيطان وصولاً إلى استئصاله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون عاجلاً.

Email