أميركا وموعد مع الحقيقة في 2016

ت + ت - الحجم الطبيعي

تغيير الإدارات الأميركية يشير عادة إلى الأوقات المتقلبة في السياسة الخارجية الأميركية، غير أن مخاطر الفترات الانتقالية لن تكون أكبر مقارنة بما يشهده عام 2016.

كان الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي شاباً مثالياً مزهواً بنفسه، وينقصه الصيت العسكري لسلفه، وهو الجنرال السابق الأكثر خبرة دوايت أيزنهاور. وبعد فترة وجيزة من افتتاح مطار جون كيندي في عام 1961، بدأ رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وعلى نحو متوقع، باختبار همة كينيدي كقائد، من برلين إلى كوبا. واتسمت الاستعادة النهائية لسياسة الردع الأميركي لجون كينيدي خلال الحصار الكوبي بأنها المرحلة الأكثر رعباً في تاريخ الحرب الباردة.

وبحلول عام 1980، بينما اقترب جيمي كارتر المفتقر للكفاءة، وهو الرئيس الأميركي التاسع والثلاثون، من نهاية فترة ولايته الأولى والوحيدة، سعى الروس لاستمالة أفغانستان. وواصل التمرد الشيوعي انتشاره في أميركا الوسطى، كما ذهبت الصين لفيتنام، وظلت القيادة الجديدة في إيران تحتجز الدبلوماسيين الأميركيين والموظفين كرهائن.

يراهن المتنمرون في العالم حالياً على ما إذا كان عام 2016 يقدم، على نحو مماثل، فرصة أخيرة لتوطيد مكاسبهم الأخيرة السهلة. أو ربما يعمدون عبر غطرستهم، وللمرة الأخيرة، لتكثيف عدائهم، وذلك قبل مجيء رئيس جديد سيكون داعماً، على الأرجح، لنظام ما بعد الحرب الذي تقوده أميركا.

لقد أنشأت الصين، مع إفلاتها من عواقب ذلك، حصوناً لسبع جزر اصطناعية شُيدت حديثاً في أرخبيل سبراتلي، المتنازع عليه بشدة، وهو بمثابة طريق استراتيجي متمركز في قلب بحر الصين الجنوبي. هل أحدثت الصين سابقة بإمكانية بناء أي دولة لجزر اصطناعية، ولكن سيادية، في المحيط الهادئ، الذي يحفل بمطالبات إقليمية تلقائية بالمياه المحيطة؟

في حال كان الأمر كذلك، فهل ستعمد كل من إيران أو روسيا خلال العام الجاري لإنشاء جزر جديدة من العدم في الخليج أو البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي؟ أو هل سيتوجب على الرئيس الأميركي المقبل تحذير الصينيين من أنه ليس بإمكان أي دولة تحصين جزر اصطناعية بصورة دائمة في وسط الممرات البحرية الدولية؟

هل ستسعى بكين بدورها للمضي في هذه المسألة بصورة أكبر خلال عام 2016، خوفاً من أن يكون الرئيس الأميركي المقبل في عام 2017، سواءٌ كانت هيلاري كلينتون أو أحد الجمهوريين، مماثلاً بشكل أكبر لهاري ترومان أو رونالد ريغان، من جيمي كارتر أو باراك أوباما؟

لقد توقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن اعتداءاته على الحدود لا تخاطر بإثارة الكثير من الرد الغربي. لذلك هل سيواصل فلاديمير بوتين المجازفة بعد رحيل الرئيس باراك أوباما، الذي يفضل توبيخ الزعيم الروسي على إيقاف العدوان الروسي، وذلك لقلقه بشكل كبير على الحفاظ على إرثه سليماً، إذا جاز التعبير كفائز بجائزة نوبل للسلام، وذلك على الإبقاء على حدود ما بعد الحرب الباردة؟

يناهز عمر تنظيم «داعش» حوالي عامين فقط، ولكنه تمكن بالفعل من الاستيلاء على مساحات شاسعة من سوريا والعراق في حلم من شأنه إعادة تشكيل الشرق الأوسط برمته. لكن حتى الآن، كانت ردود الفعل الغربية ضعيفة.

ولكن هل بمقدور «داعش» المراهنة بأنه في ظل الرئيس الأميركي المقبل، ستعود 75٪ من البعثات الأميركية المقاتلة ضد التنظيم لقاعدتها دون إطلاق رصاصة واحدة أو إسقاط قنابلها، كما كانت الحال في ظل إدارة باراك أوباما؟

لذلك فلنستعد لتصعيد هجمات «داعش» خلال فرصة العام الأخير لرئاسة أوباما.

على امتداد السنوات السبع الماضية، تأقلم العالم مع نظام حكم «القيادة من الخلف» لأميركا. وفي عهد الرئيس باراك أوباما، راهن الأصدقاء والأعداء على أن أميركا كانت متعارضة مع الحكمة والأخلاق من مجمل الاستثمارات العالمية لما بعد الحرب بقيادة أميركا، وكانت تتصرف وفقاً لذلك.

وخلال عام 2016 الجديد، هل ستستمر رؤية العالم لتنظيم «داعش» على أنه منظمة «عابرة»، أو باعتباره خطراً وجودياً على أراضي أميركا؟

في كل تلك الحالات، فإن غموض السياسة الخارجية الأميركية الحالية وليس الاستمرارية المضمونة يعد أمراً محتملا، وذلك إلى حد كبير لتسبب عناد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بفقد دعم الرأي العام الأميركي بالنسبة إلى جميع مبادرات سياستها الخارجية تقريبا، بدءاً من توقيع اتفاق إيران النووي، ووصولاً إلى التعامل مع الإرهاب، والتعامل مع الصين وروسيا.

لسوء الحظ، فإن التصويبات التي يمكن التنبؤ بها في ظل رئيس أميركي جديد في عام 2017، ستجعل من عام 2016 أكثر خطورة من أي سنة منذ عام 1980.

Email