استراحة قلم ومسيرة عمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

من هنا، من على صفحات البيان، التي أعود إليها، بدأت رحلتي مع الكتابة قبل عشرين عاما تقريبا، تخللها الكثير من المهام والمسؤوليات، ازدادت فيها البيان بيانا، ومرت على العالم - خاصا وعاما - الكثير من الأحداث الجسام التي تشبه تسونامي، والتي تظل تطلب البيان والتبين.

مسيرة عشرين عاما أتأملها، انكشفت أقنعة كانت تتستر برداء الدين، وتتدثر بشعارات زائفة، أو تروج لمزايدات فارغة، آلت كلها إلى فشل ذريع وافتضاح مكشوف.

أما على الصعيد الوطني فقد تواصلت الإنجازات، وتأكدت شرعية الإنجاز في مسار الإمارات، التي بقيت في مقدمة دول المنطقة، ومركزا للتنمية والرخاء، ولمعت في وسط عربي مظلم وبائس، نقطة مضيئة ومقصدا للمبدعين في كل مجال.

فقد عززت الدولة مكانتها على الصعيدين، الإقليمي والعالمي برصيد مضاعف من الإنجازات الحقيقية على أرض الواقع، وصنعت نموذجها الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، نموذجا فريدا للتعايش والتسامح، ومثالا للتعددية الثقافية والدينية والعرقية.

مسيرة عشرين عاما، تحولت فيها الدولة، وبأسلوب حضاري راق، من مرحلة التأسيس إلى التمكين، ومن الحضور إلى النهضة، من الآباء المؤسسين، القائد المؤسس زايد الخير طيب الله ثراه وإخوانه، ومواصلة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وإخوانه لهذه المسيرة المضيئة.

كذلك دخلت الدولة عصرا مختلفا للتنمية والنهضة والرقي، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الحكومة الاتحادية، فقد ارتفع سقف التوقعات، وقويت العزيمة لمواجهة التحديات، وأطلقت الدولة عددا هائلا من المبادرات، وصارت كثير من الأحلام حقائق وإنجازات.

هذه المسيرة الناجحة لدولتنا، تأتي والمنطقة تشهد الزلزال تلو الزلزال. لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقع ما انفجر منها، منذ الغزو الأميركي للعراق وسقوط بغداد في العام 2003. وما تلا ذلك من تفكيك للدولة ومؤسساتها، وبعث للطائفية وترسيخها على النحو البائس والمروع الذي نشاهده.

واستمرت الزلازل حتى انتهت بالربيع المشؤوم، الذي صار أنصاره يدعونه خريفا أو ربيعا داعشيا، ولا زلنا نشاهد فصوله المروعة، وأحداثه المتسارعة بما يثير ألف علامة استفهام حول أسبابه ودوافعه ومن يقف وراءه، لعلنا لا زلنا نذكر شعار الفوضى الخلاقة، التي لو صح من صكها لدعاها الفوضى المتوحشة أو الداعشية.

بعد عشرين عاما لم استطع وأنا أتلقى الطلب للعودة كاتبا إلى البيان الاعتذار، خاصة وأنه جاء من الأخت الكريمة منى المري الكفاءة المتميزة ورائدة العمل الإعلامي في الدولة.

ربما ليست العودة إلى الكتابة والبحث والتحليل سهلا، بعد غياب امتد سنوات طوالا، ولجت فيه غياهب الجب الإدارية البحتة، التي لا بحث فيها ولا قراءة إلا التقارير والدراسات المتصلة بمجال العمل، إذا أضفنا إلى ما سبق، التطور الهائل الذي حدث في مجال الإعلام ومصادر المعرفة والمعلومة، وما أنتجته التكنولوجيا من أدوات التواصل الاجتماعي على نحو غير مسبوق مما يشكل فرصة مذهلة للكتابة والنشر.

كما أنه في الوقت نفسه يشكل تحديا كبيرا للتحقق من الكم الهائل من المعلومات ومدى صحتها ودقتها ومصداقيتها، مما يضفي عبئا على الباحث الجاد لانتقاء المعلومة وتوظيفها بشكل مناسب للمخاطب أو القارئ.

ختاما ودائما، مع البيان وقارئها، أرجو من الله أن يجنب قلمي الزلل، وأن يجعل كل كلمة أسطرها ذات أثر خير في حياة البشر، وإعلاء للقيم الوطنية والإنسانية المنجزة وأن تستمر مسيرة الإمارات إشعاعا يضيء لنا ولغيرنا.

Email