بين جعفري و البغدادي .. عروبتنا هي الحل

ت + ت - الحجم الطبيعي

200 ألف مقاتل يرتبطون بالحرس الثوري الإيراني تم دفعهم في دول المنطقة. هكذا يصرح رئيس الحرس الجنرال محمد علي جعفري وهو يؤكد ـ وفقاً لما أذيع رسمياً ـ أمرين: الأول هو تشجيع الجيل الثالث من الثورة لدعم ولاية الفقيه في إيران، والثاني هو أهمية حضور الشبان الإيرانيين في معارك سوريا والعراق واليمن.

وفي لعبة توزيع الأدوار التي يتقنها النظام في إيران قد نسمع تصريحات عدة تحاول التخفيف مما قاله جعفري، وربما نقرأ أن هؤلاء المقاتلين يذهبون للسياحة في بلادنا العربية، أو لإقامة الندوات الفكرية، أو للترويج للسجاد الإيراني الشهير.

لكن الحقيقة أننا أمام وضع لم يعد ممكناً التغاضي عنه أو القبول بآثاره، بالطبع.. ليس الأمر جديداً، فالتواجد الإيراني لم يكن سراً في العراق أو سوريا أو اليمن، بالإضافة إلى دول عربية وإسلامية أخرى. لكن المهم في هذا الاعتراف الإيراني أنه يأتي في وقت تبدأ فيه الولايات المتحدة ودول الغرب إجراءات المصالحة مع النظام الإيراني بعد الاتفاق على الملف النووي.

ويصر فيه الرئيس الأميركي أوباما وإدارته على الرهان على أن سياسته ستقود طهران إلى طريق الاعتدال، وتضعف قوى التطرف التي سيطرت على المشهد الإيراني طيلة العقود الماضية. «جعفري» يقول بكل وضوح إن التشدد هو سيد الموقف في طهران، وإن التدخل في الشأن العربي سياسة ثابتة، وإن محاولة استغلال الدين لتوسيع النفوذ السياسي أمر لا رجوع عنه.

وكان الحرس الثوري يؤكد بكل صراحة تشجيع ما يسميه «الجيل الثالث من الثورة» وإذا كان يؤكد أن هدفها هو دعم ولاية الفقيه في إيران، فإن التعبير الخارجي لهذا التوجه سبق أن أعلنه قادة الحرس، حيث تحدثوا عن عودة الإمبراطورية وامتدادها في عمق البلاد العربية، ووصولها إلى البحر المتوسط من ناحية، والبحر الأحمر من ناحية أخرى!

هذا هو الواقع بعيداً عن حديث الدبلوماسية الهادئ أو المراوغ، وبعيداً عن تطمينات أميركية سبق أن سمعها العراقيون والسوريون وغيرهم من شعوب المنطقة، فلم يروا في النهاية إلا أنهم وحدهم في مواجهة التدخل الإيراني والتركي، وفي جحيم الحروب الأهلية والإرهاب الذي يرفع زوراً وبهتاناً رايات الدين ليسلم المنطقة إلى الفوضى ويقودها إلى التقسيم الجديد الذي يراد فرضه على المنطقة، والذي يكون فيه مصيرها بيد القوى الدولية المهيمنة التي تعتمد على القوى الإقليمية غير العربية للقضاء على عروبة المنطقة إلى الأبد.. كما يتصورون.

لقد أسقطت الأحداث طوال الأعوام الأخيرة أن الاعتماد على القوى الأجنبية في حماية الأمن الوطني، كما تصور بعض الأطراف العربية هو الوهم الكبير.

وأنه من دون امتلاك القوة الذاتية فإن الأمان مفتقد، ومن دون اليقين العربي بأن الخطر مشترك وأن التهاون جريمة، فإن أطماع الأعداء لن تنتهي، والتآمر علينا لن يتوقف. وحدة الموقف الخليجي أمر لا ينبغي أن تكون موضع خلاف على الإطلاق.

وإذا كان هناك من لا يدرك حجم الخطر، فعليه أن يستفيق، وإذا كان هناك من يتصور أن الأمان يمكن أن يأتي من أطراف خارجية، فعليه أن يعتبر بما حدث لمن سار في هذا الطريق، وإذا كان البعض لا زال يراهن على أن العقل سيعود فجأة لمن أشعلوا النار في المنطقة العربية، ويفعلون المستحيل لإثارة الحروب المذهبية، فعليهم أن يدركوا أن نفس العقول هي التي تحكم القرار عند الأطراف المعادية للعرب، والطامعة في الهيمنة على مقدراتهم. والموقف العربي لا بد أن يكون انعكاساً لحجم ما نواجهه.

ولن نمل من تأكيد ضرورة الحفاظ على تحالف مصر والخليج العربي، باعتباره قاعدة الصمود في هذه المرحلة، حتى يتغلب الأشقاء الآخرون على ترددهم، أو يتغلبون على الأخطاء في الحسابات، وينضمون إلى هذا التحالف الذي أنقذ الأمة من مصير أسوأ، لو كانت مصر قد ظلت تحت حكم الإخوان، أو لو كانت دول الخليج العربي لم تدرك ـ منذ البداية أن عروبتها هي المستهدفة، أو عروبتها أيضاً هي القادرة على مواجهة الخطر.

ويبقى علينا أن ندرك حجم ما نواجهه من مخاطر في ضوء تمدد داعش من ناحية، وتأكيدات رئيس الحرس الثوري من ناحية أخرى. وأن نتحرك في ضوء حقيقة أساسية هي أن عروبتنا هي التي تجمعنا في ظل أوطان ترفض الهيمنة، وتستطيع أن تقاوم كل محاولات التمدد الخارجي أو الفتنة الداخلية.

لا «السنة» العرب يمكن أن يعودوا إلى ولاية سلطنة عثمانية عشنا في ظلها قروناً من الظلام، ولا «الشيعة» العرب يمكن أن يكونوا «أتباعاً» لحكم الأئمة في إيران، أو لأوهام من يريدون استعادة إمبراطورية بادت، باستغلال الدين الحنيف.

العرب «سنة وشيعة» وحدة واحدة، حاربوا معاً للحصول على استقلالهم، للسيطرة على ثرواتهم، ولبناء أوطانهم على قاعدة المساواة والمواطنة، وقد حققوا معاً خطوات مهمة وأساسية على هذا الطريق واليوم يداهمهم خطر التدخل الأجنبي الذي يريد إشعال الفتنة المذهبية وتقسيم الصف الوطني، ويداهمهم خطر الإرهاب الطائفي الذي انطلق ليكون مبرراً لتدمير أوطان وتخريب دول باسم الإسلام الذي كان أكبر الخاسرين بجرائم هذه العصابات التي تنشر الإرهاب والعنف، أو تفتح الطريق للتدخل الأجنبي، أو تستمر في التدمير والتخريب تحت زعم إحياء الخلافة من ناحية، أو دعم حكم الأئمة الإيرانيين من ناحية أخرى.

رسالة «جعفري» القادمة من طهران، ورسالة «البغدادي» القادمة من كهوف الدواعش لا تختلفان، والرد هو التمسك بالعروبة وتوحيد صفوف العرب من ناحية، ودعم الدولة الوطنية التي يقف فيها الجميع فريقاً واحداً ضد التدخل الأجنبي.. لا فرق في ذلك بين سنة وشيعة «عرب»، ولا بين مسلمين ومسيحيين «عرب» ولا بين يمين ويسار «عرب».. الكل واحد ضد دعوات الانقسام، أو مؤامرات التدخل في الشأن العربي.

نعرف الآن أن طريق «جعفري» لا ينفصل عن طريق «البغدادي» وأن عروبتنا هي الهدف، وهي الحصن القادر على إنقاذ الوطن العربي كله مما يدبر له. نعرف ذلك ولن نغفر لطرف ـ مهما كان ـ يخرج عن الصف العربي، أو يتصور أنه يملك القدرة على المناورة على حساب وحدة الخليج العربي في مواجهة الخطر.

Email