الاتحاد ما بين زمن الأجداد والدولة الحديثة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مظاهر الاحتفال تنتظم في شتى مدن وقرى وأحياء دولتنا الفتية، بمناسبة اليوم الوطني الـ 44، حيث ولدت دولة الاتحاد تحمل كتاباً سطره أجدادنا الأشاوس، وهم كانوا يصارعون واقعاً تصعب الحياة في كنفه، خصوصاً في بيئة قاحلة، لم تتوفر فيها سبل كسب العيش، في صحراء جرداء، وفي ندرة مياه الشرب والري.. ناهيك عن الماء اللازم لإنتاج الحد الأدنى من الغلال والمحاصيل الزراعية الضرورية للمعيشة اليومية!

ومن ثم، كان خيار أجدادنا الوحيد، هو امتهان حرفة الصيد البحري، من أجل التقاط ما يجود به قاع البحر، فصار ركوب البحر لأيام وشهور، حرفة طورها الأجداد، ومن خلالها درسوا حركات النجوم والكواكب، لتتيسر لهم سبل الاهتداء إلى مواقع مزارع اللؤلؤ.. وفي ذلك الزمن الصعب، كانت رحلات الصيد تستغرق أمداً طويلاً..

ومع غياب الرجال، كانت تتولى النساء القيام بمهام تربية الأبناء، وتدبير شؤون حياة كافة أفراد «الأسرة الكبيرة الممتدة»، وهي التي يعيش في كنفها الأجداد والأبناء والأحفاد معاً، وتحت سقف واحد، وتتقاسم الحياة الاجتماعية بشكل مشترك مترابط ومتآزر.. هكذا كانت الأسرة سابقاً، قبل قيام دولة الاتحاد.

ومن هذا المنطلق، كان الأثر العميق لكلمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بمناسبة اليوم الوطني الثامن والثلاثين لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أكد سموه فيها، أهمية إطلاق الطاقات البشرية المواطنة، داعياً إلى تعميق مفهوم الأسرة، التي تشكل حجر أساس المجتمع.

تلك الرؤية الثاقبة، التي رسمت النهج القويم الذي تسلكه دولتنا الحبيبة، في ظل قيادة رشيدة، حققت نجاحات لا يمكن حصرها، نفتخر نحن أبناء الإمارات بها، لأنها تعمق ثقتنا في مسيرة هذا الوطن الغالي، وتعزز الانتماء إلى تراثه وقيمه وتقاليده، في ما أنجز في مختلف المجالات خلال العقود الأربعة الماضية..

وهي فترة قصيرة، لا تقاس في عمر الدول والشعوب، ساهم، بما لا يدع أي مجال للشك، في نماء مجتمعنا وتحصينه بالأمن والأمان، وتوفير سبل العيش الكريم والرخاء لجميع المواطنين والمقيمين في أرجاء وطننا العزيز، من خلال التأكيد على الهوية والانتماء الوطني وتماسك المجتمع.

لقد شهدت جميع القطاعات في الدولة خلال السنوات الماضية، نقلة نوعية متميزة خلال مسيرة تطورها، ونحن على يقين وثقتنا أكبر بأن السنوات المقبلة ستشهد، بفضل جهود راعي المسيرة وإخوانه، المزيد من الإنجازات والتقدم والرخاء للوطن والمواطن، وستعزز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة إقليمياً وعربياً ودولياً..

وستظل رايتها خفاقة في جميع المحافل الدولية. ونتيجة التطور الكبير ومواكبة المتغيرات في العالم، شهد مجتمع الإمارات تحولات مجتمعية حادة وسريعة، ازدادت وتيرتها خلال السنوات القليلة الماضية..

وكان لتلك التحولات أسبابها الداخلية والخارجية، وكذلك آثارها الواضحة في بنية المجتمع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وكانت الأسرة من أكثر المؤسسات التي تأثرت بالتحولات التي طرأت على البنية المجتمعية الأوسع، التي تعد الأسرة أحد مكوناتها الأساسية. لقد كان تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971، بداية التحولات المجتمعية التي نقلت المجتمع من مرحلة القبيلة إلى مرحلة الدولة الحديثة، دولة المؤسسات ذات الأطر والهياكل التشريعية والتنفيذية والقضائية، التي تهدف إلى تحقيق مصلحة الوطن والمواطن.

وقد ترتب على قيام دولة الاتحاد، اتساع دائرة الوطن.. وكذلك حدد دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، مقومات الاتحاد وأهدافه الأساسية وطبيعة السلطات الاتحادية، والحقوق والواجبات المكفولة للمواطنين.

كما حدد الدعامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي تؤسس مجتمع الدولة الحديثة. تلك المقومات التي تؤكد المساواة والعدالة الاجتماعية، وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.. وأن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها، ويصونها ويحميها من الانحراف..

وأن التعليم عامل أساسي لتقدم المجتمع، وهو إلزامي في مرحلته الابتدائية، ومجاني في كل مراحله. واحتل العمل أهمية قصوى في المجتمع، وأصبح ركناً أساسياً من أركان تقدمه.

وحسب نص الدستور: «يقدر المجتمع، العمل كركن أساسي من أركان تقدمه، ويعمل على توفيره للمواطنين وتأهيلهم له، ويهيئ الظروف الملائمة لذلك، بما يضعه من تشريعات تصون حقوق العمال ومصالح أرباب العمل، على ضوء التشريعات العمالية العالمية المتطورة».

لذا، كان إرساء مقومات الدولة الحديثة، بداية انطلاقة نحو تحديث وتطوير المجتمع ذاته، فشرعت الدولة في تنفيذ خطة تنموية عملاقة، ركزت في مراحلها الأولى، عقد السبعينيات، على البنية الأساسية، من مشروعات الطرق والمواصلات والمطارات والمباني والمدارس والمستشفيات، حيث ساعدت العوائد النقدية التي وفرها قطاع النفط على تنفيذ الخطط والمشاريع.

كذلك شرعت الدولة بعد ذلك في تنويع مصادر الدخل، والنهوض بالقطاع الصناعي والزراعي. وتوالت الإنجازات في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وانعكس ذلك في ارتفاع مستوى المعيشة، والنهضة التعليمية والثقافية والصحية، وتغيير نمط الحياة.

وتحول مجتمعنا من مجتمع تقليدي إلى مجتمع الرفاهية، وكان من ثمار ذلك، نهضة حضارية وتنموية، وضعت دولة الإمارات في مصاف الدول المتقدمة، بل تجاوزتها وتفوقت عليها بشهادات أممية عالمية، بفضل جهود قيادتها الرشيدة، التي حققت تنمية بشرية مرتفعة. هكذا كان وسيظل الثاني من ديسمبر، نقطة التحول الكبيرة في حياة الأسرة الإماراتية، هنيئاً لنا جميعاً بما حققته مسيرة الاتحاد، وإلى الأمام دائماً نحو المزيد من الخير والتقدم والازدهار.. كل عام والجميع بخير.. قيادة وشعباً، وكل من يقيم على أرض دولتنا الغالية.

Email