حتى لا يكون الابتكار أسبوعاً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الابتكار ليس مناسبة و لكنه منهج حياة، و ليس حدثاً عارضاً و إنما عادةٌ يُفتَرَضُ أن تتأصّل في أوصال كل مؤسسة، و لئن مرّ سريعاً أسبوع الابتكار مع دويٍ هائل في إعلامنا المحلي يتناسب فعلاً مع هذه القضية الحيوية إلا أن القلق الوحيد هو أن نجد بعض المؤسسات قد عادت لأساليبها العتيقة و تناست تماماً كل ما قرأناه من مبادرات قادمة .

لا بد أن يكون الابتكار عادة و ليس موضة، بمعنى أن يمنح وقتاً كافياً لينتقل من مرحلة المصطلحات إلى حيز التنفيذ وأن تُلغي العادات القديمة، التي تحجر الفكر والتطوير المؤسسي بعادات، تحفز العقل لمخالفة المعتاد والتفكير خارج السياق النمطي بشكل مستمر لبعث حياة جديدة في المؤسسة قادرة على نقلها بشكل نوعي، لتصبح أكثر كفاءة وأكثر قدرة على تلبية طموحات موظفيها...

وحاجات عملائها، فأسوأ الأشياء أن يكون النمو الوحيد هو نمو الجسم لا الفكر والحجم لا نوعية الخدمات، وإن من أكثر الأمور غُصة أن يكون التقدم الوحيد لدى البعض هو التقدم في العمر لا أكثر!

لست أخشى على المؤسسات الاتحادية بعد اعتماد صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، للسياسة العليا للحكومة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار باستثمارات تصل إلى 300 مليار درهم..

وبما يصل إلى 100 مبادرة ابتكار ليس استعداداً لعالم ما بعد النفط فقط، ولكن لوقف الاعتماد على النفط كونه عموداً فقرياً للاقتصاد منذ الآن، وتضم السياسة 100 مبادرة بالقطاعات الصحية والتعليمية والطاقة والنقل والمياه والتكنولوجيا، وتتضمن مضاعفة الإنفاق على البحث العلمي 3 مرات حتى 2021..

ودعم أبحاث الفضاء، وصناعات الطيران المتخصصة، وحوافز استثمارية وتشريعية لاستقطاب الصناعات الدوائية العالمية، كما تشمل السياسة دعم أبحاث الطاقة الشمسية الطاقة النووية السلمية وبرامج أبحاث الروبوتات والذكاءالاصطناعي والجينوم، مبادرات تجعلنا ننام قريري العين لهذا الفكر الاستباقي الجبّار للحكومة الرشيدة.

القلق على المؤسسات المحلية حتى لا نقع في التعميم غير المحمود، لا بد من الثناء على بعضها، التي تُثبت يوماً إثر آخر على سلامة التوجه و التميز النوعي لبيئة العمل، التي يكون نتاجها دوماً تميز في الخدمات المقدمة لشرائح المجتمع المحلي، التي تقع ضمن نطاقها بما يؤكد كفاءة قيادات هذه المؤسسات ونجاحها في خلق كيانات نابضة بالحياة، ومتفاعلة إيجابياً..

وفي كثير من الأحيان بصورة استباقية مع متطلبات واحتياجات جمهورها المستهدف، ولكن القلق على تلك التي مازالت تصنع ضجيجاً هائلاً كلما خرجت نزعة جديدة أو سمعت بتوجه عام جديد، حيث تتمتع بقدرة عالية على التكيف مع أي صوتٍ يعلو وتنادي معه بمثل ندائه، ثم لا تلبث أن تعود لسابق نمطيتها وتقديسها اللوائح التي أكل الزمان عليها وشرب بمجرد أن تهدأ الأمور!

خلال هذا الأسبوع كانت هذه المؤسسات تتقمص دور مشجعة الابتكار وأغرقت وسائل الإعلام بمبادراتها التي «تنويها» و«تخطط لها»، التي يعرف يقيناً من يتعامل مع تلك المؤسسة أن تلك النية سـ«تُهزب وتصك الدعنة»، بينما سيطرق ذاك «التخطيط» الأبواب كثيراً ولن يُفتح له!

كثيراً ما أتساءل: لو كان لهذه المؤسسة أو تلك بديل آخر وجهة أخرى تقدم ذات الخدمة فهل سيعودون لها وهي تُضِيع ساعات المراجع المغلوب على أمره في قاعات انتظارها وطول إجراءاتها وطلباتها التي لا تتوقف من الوثائق حتى تتمنى أن يكون في سيارة كل منا خزينة كبيرة نضع بها كل أوراقنا الثبوتية!

الخوف من التغيير هو ما يُقيد هذه المؤسسات، وليتها تعي أن الابتكار ليس خَلْقاً من العدم لتخشاه، بل هو في أغلب حالاته جمع للمتناثر وتأليف للمتفرِّق مما يوجد فعلاً داخلها ولو أعطت الفرصة لموظفيها لأبهروها، ولعل خير بداية هي التركيز على خلق بيئة عمل محفزة تجعل الموظف يتفجر عطاء وإنتاجية، بعيداً عن القرارات العنترية التي تُحيل بيئة العمل إلى سجن مُضجر تجعله وهو «غابش» للدوام يقول وهو يتذكر تلك البيئة: «يا الله بفال خير».

إنه لأقرب للمحال أن يقوم موظف غير سعيد و غير مُحفز بإسعاد عميل خارجي للمؤسسة، وليس شرطاً أن يكون التحفيز مادياً، بل في كثير من الأحيان يكون التعامل «الراقي» مع الموظف من مسؤوليه وإشعاره بأهميته وتقدير مساهماته حافزاً كبيراً له للعمل والعطاء .

و«تبييض الوجه»، أما استعراض العضلات والتضييق على الموظف وكتم أنفاسه باللوائح التي كانت صالحة لعصر «وضحا وبن عجلان» فهي لن تترك إلا كياناً منكسراً يشعر في كثير من الأحيان برغبة في خلق تذمر لدى المراجعين حتى تكثر الشكاوى على المؤسسة التي لم تُشعره إلا بأنه هامشي و«يحمد ربه أنه محصِّل وظيفة»!

الابتكار قد يأتي من رأس المؤسسة، ولكن في أغلب الأحيان يكون من صغار الموظفين ومن الأشخاص الذين هم على تواصل مباشر مع العملاء، وبالتبعية يكونون أقدر على معرفة ما يريدون فعلاً لا ما تظنه الإدارة أنهم يريدون، ولا تغيب عنا قصة مصنع الصابون، الذي اشتكى العملاء من وجود عُلب فارغة منها، فقررت الإدارة تركيب جهاز أشعة سينية على خط الإنتاج لملاحظة أي علبة فارغة..

ولكون العمل من ثلاث ورديات تم تعيين ثلاثة أشخاص لمتابعة شاشة لجهاز، وأضيف لهم ثلاثة آخرون تحسباً للإجازات، ثم رئيس لهم لتنظيم عملهم ومدرّب لتطوير قدراتهم..

وفقاً لتحديث التقنية حتى أصبحت إدارة كبيرة، ورغم أن المشكلة قلت كثيراً إلا أنها بقيت خلال لحظات انشغال الموظف وعادت الشكاوى، حينها أتى موظف من ذات خط الإنتاج للمدير ليخبره أن لديه طريقة أفضل، ولكم كانت مفاجأة المدير وهو يرى الموظف يضع مروحة متحركة قرب الخط، وكلما مرت علبة فارغة طارت لخفتها، «ألم نقل، إن الابتكار غالباً ما يوجد داخل المؤسسة»!

 

Email