الإرهاب يزور أوروبا.. لكنه يريد «الاستيطان» عندنا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوروبا ومعظم دول العالم في حالة تأهب أو طوارئ بعد ضربات الإرهاب الأخيرة، خاصة في قلب باريس، والتي أظهرت أن «داعش» غيرت من منهجها وعادت لمنهج «القاعدة» في توجيه الضربات إلى مواقع مؤثرة للدول التي تستهدفها.

كانت «داعش» قد تركت هذا المنهج وركزت جهدها على إقامة «دولة» في الأرض التي تسيطر عليها في العراق وسوريا، وفي جعلها مركزاً لـ«الخلافة» المزعومة التي يعيثون في الأرض فساداً تحت اسمها. لكن «داعش» بعد الضربات الأخيرة التي تلقتها منذ تدخلت روسيا، واضطرت أميركا وحلفاءها لإنهاء عام من الحرب المظهرية التي توسعت خلالها «داعش»، وازدادت نفوذاً.. اتجهت لأسلوب «القاعدة» التي كانت قد هجرته.

وحركت خلاياها لتضرب في أوروبا، ولتسقط الطائرة الروسية في سيناء، بينما تكلفت تركيا بإسقاط الطائرة الحربية «سوخوي» على حدودها مع سوريا.. لتأخذ الموقف إلى أبعاد أخطر!!

ومع ذلك فعلينا أن ننتبه إلى أن ما تفعله «داعش» وأخواتها وأنصارها وداعموها في أوروبا هو من باب الزيارة التي قد تطول أو تقصر وفقاً لتطورات الأحداث، أو تعليمات من يستخدمون هذه الجماعات الإرهابية لأغراضهم الخاصة.. بينما ستبقى الساحة الأساسية للصراع في منطقتنا!! ولعل هذا يفسر سرعة ارتداد الدواعش وغيرهم من جماعات الإرهاب إلى المنطقة العربية.. بتوجيه الضربات الغادرة في تونس ومصر..

وليس بعيداً عن ذلك ما حدث في «مالي» وارتباطه بليبيا التي أصبحت أحد مراكز الإرهاب الداعشي والإخواني.. وكذلك بالجزائر وباقي دول الشمال الأفريقي. مهما اتسعت دائرة الإرهاب الداعشي في أوروبا، فإن قاعدة الصراع الرئيسية ستظل في المنطقة العربية وما حولها..

ولعلنا نفهم اليوم أو غداً لماذا ستفشل جهود الرئيس الفرنسي أولاند التي بدأها عقب صدمة أحداث باريس لإقامة تحالف دولي للقضاء على الإرهاب. سنفهم وسيفهم الرئيس الفرنسي معنا، أن المطلوب عند بعض الكبار المسؤولين عما يجري في المنطقة وفي العالم ـ كما ردد قادة أميركا وفي مقدمتهم أوباما نفسه مراراً ـ هو «إضعاف» أو «احتواء» داعش.. وليس القضاء عليها!! لأن وجودها كان جزءاً من مخطط لا زال مطلوباً استمراره، ولا زال الأمل في نجاحه يراود الكثيرين..

ليس في واشنطن فقط، وإنما في دول أخرى إقليمية تسعى لخريطة جديدة للمنطقة يتوسع فيها نفوذها، وتنهار فيها كل إمكانية عربية للنهوض والتقدم!! ليس دقيقاً أن يقال إن قوى كبرى في أوروبا وأميركا أصبحت تدرك حجم خطر الجماعات الإرهابية..

فهي تعرف هذا الخطر من البداية، ولكنها كانت ولا زالت تلك من سوء التقدير ما يجعلها تتصور أن إقامة «دولة» للإرهاب في قلب الوطن العربي سيحميها من خطره، وسيجعله يحفظ الجميل، ويكتفي بما يحققه!! ولم تتصور أن الإرهاب لا حدود لأطماعه، ولم يكن في حسبانها أنه ـ رغم التآمر ومحاولات تمرير المخططات العدائية ـ فإنه لا زال لدى الشعوب والدول العربية ما تجهض به هذه المؤامرة..

بإسقاط حكم الإخوان في مصر، وبضرب محاولة تحويل اليمن إلى قاعدة للنفوذ الإيراني في الجزيرة وللتحكم في باب المندب، وبالتصدي لمحاولات التقسيم ومؤامرات ضرب الاستقرار في كل أنحاء الوطن العربي. وما أريد التركيز عليه أن المعركة ضد الإرهاب الداعشي والإخواني هي معركتنا نحن العرب والمسلمين، ما تريده أوروبا ـ حيث تتركز الأنظار عليها الآن ..

ـ هو إبعاد الإرهاب عن أراضيها، وما تريده أميركا هو أن يحارب الآخرون معاركه، مكتفية بالاعتراف بأن إرهاب الدواعش وغيرهم من عصابات الإرهاب كان «خطأ غير مقصود» لحرب بوش على العراق دون اعتراف بالمسؤولية عن تدمير العراق وسوريا وليبيا..

ولا عن دعم الجماعات الإرهابية، ولا عن احتضان «الإخوان» أس البلاء وأساس الإرهاب باسم الإسلام الحنيف. المعركة معركتنا.. بتحصين مجتمعاتنا بالعلم والعدل وكرامة المواطن. وبالحفاظ على وحدة التحالف العربي الذي نجح حتى الآن في إسقاط حكم عصابة الإخوان لمصر ـ وإعادة الشقيقة الكبرى ـ بكل إمكانياتها إلى صف المقاومة لمخططات الشر وعصابات الإرهاب ومخططات التقسيم.

والذي نجح حتى الآن في ضرب مخطط وضع اليمن تحت الهيمنة الإيرانية والذي سيكون عليه مهمة منع تحويل ليبيا إلى مركز للإرهاب الداعشي الإخواني، ومساعدة تونس في تجاوز المصاعب التي تواجهها. هذا التحالف الذي يضم مصر والسعودية ودول الخليج العربي ـ باستثناءات لا تذكر!!

ـ ينبغي أن يصمد أمام كل محاولات زرع الشقاق بين أطرافه، وأن يسعى ـ في الوقت نفسه ـ لضم أطراف عربية أخرى أساسية إليه، وأن يتغلب على أي خلافات بشأن القوة العربية المشتركة التي تزداد الحاجة لوجودها يوماً بعد يوم.هذا التحالف العربي لا بد أن يمد يده للتعاون مع كل القوى الدولية التي تكافح الإرهاب بالفعل..

وأن يتعاون مع كل القوى الدولية التي ترفض مخطط تقسيم الدول العربية، أو إطلاق عصابات الإرهاب لتكون وسيلتها لجر المنطقة إلى حروب الطوائف التي لم تعد إلينا إلا في ظل هجمة الدول التي تدعي الديمقراطية وتفرض على الآخرين كل ما يناقض ذلك!!

كل الأنظار تتركز على ما يجري في أوروبا التي يهددها الإرهاب الآن لكي لا ينبغي أن نتجاهل أبداً الحقيقة المرة، وهي أن الإرهاب يتخذ قاعدته الأساسية في أراضينا العربية ويسعى للسيطرة عليها، وأن يضع من يشتكون من الإرهاب اليوم كانوا ـ ولا زالوا ـ سنداً له!!

أوروبا ستتخذ كل ما تستطيع من إجراءات لمنع تسلل الإرهاب إلى أراضيها ومنع مواطنيها العائدين من سوريا أو العراق أو ليبيا من أن يتحولوا إلى متفجرات تضرب استقرار هذه المجتمعات. وأميركا (في ظل قيادة أوباما العليلة) سوف تمضي في مخططاتها التي تزعم أنها ستضعف إرهاب «الدواعش» الذين زرعتهم بأيديها ورعتهم بنفسها أو بعملائها من دول المنطقة.. وروسيا تخوض القتال ضد عصابات الإرهاب لأنها تدرك أنه تهديد مباشر لها.

وتبقى القضية قضيتنا نحن العرب الذين لا تريد الأطراف الدولية أو الإقليمية المتنازعة أن تعترف بعروبتهم!! وتطلق عليهم كل ما تستطيع من إرهاب أو ضغوط أو حروب لكي تمنع توحدهم!

هذا هو أصل القضية التي يتهرب منها الكثيرون.

 

Email