الزمن العبثي والحرب بالوكالة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك مصطلح يشير إلى أن من يكلف أو يتطوع أو يلزم بحمل السلاح أياً كان نوعه، ليمارس العدوان ضد جهة ما لصالح جهة أخرى، نظير مبلغ من المال أو مكافأة مقطوعة أو دون مقابل، يعتبر «مرتزقاً». وهي الحالة التي لا يستطيع أو لا يرغب فيها المحارب المعني أو المكلف بالحرب، شن الحرب أو الاقتتال وحده مع خصم معروف ومحدد.

والتاريخ مليء بحالات لأناس أشعلوا نيران فتن أو صراعات أو حتى حروباً، وهم لا مصلحة لهم أبداً في نتائجها أو محصلتها النهائية، وآخرون وظيفتهم إشعال فتيل نيران الحروب وفتح جبهات للقتال على مستوى القارات الخمس.

وفي عصر الاستعمار البريطاني أقحم أبناء الدول التي خضعت للحكم الإنجليزي، للعمل تحت قيادة ضباط بريطانيين، ليقوموا بالعمل تحت العلم البريطاني كجنود تناط بهم الحرب بالوكالة، وهنالك آلاف ممن زج بهم في أتون الحروب الإقليمية.. كحرب البلقان والصحراء الكبرى أو حرب النهر..

ويرى قدماء العسكريين أن بعض الدول تضطر لإرسال جنود من دول أخرى، لدخول مواقع عمليات عسكرية دفاعاً وذوداً عن كرامة الوطن ولصد أي هجوم متوقع، أو لمساعدة دولة صديقة أو شقيقة تعرضت لعدوان أو غزو خارجي مباغت، إلا أن هنالك دولاً استعانت لأي سبب من الأسباب بمن ينضم إلى صفوفها من الأغراب، أي من غير مواطنيها، وهنالك حالات تولى فيها بعض الشركات المتخصصة جلب «مرتزقة» من دول أخرى لدعم قوات مقاتلة، نظير أجر يومي خالٍ من أي تأمين على الحياة، بمعنى أن من قبل العمل كجندي بالوكالة، عليه أن يحمل حياته بين كفيه ويتحمل أي نتائج.

وبحسب وكالة فرانس برس فإن أعدادا متزايدة من الشبان الأفغان العاطلين عن العمل الذين يلجأون إلى إيران المجاورة هربا من حرب طويلة في بلادهم، ليجدوا نفسهم يحملون السلاح في نزاع آخر. بالإضافة إلى الأفارقة المرتزقة. وتعليقا على الظاهرة يقول «فيليب سميث»، الخبير في المجموعات الشيعية المسلحة: «العديد من المقاتلين الأفغان الشيعة يستخدمون وقودا للمدافع في ما يتعلق بتجنيدهم أو نشرهم أو استغلالهم في سوريا»، مشيرا إلى وجود من 2000 إلى 3500 أفغاني يقاتلون حاليا في سوريا.

ويضيف: «البعض منهم أرغم على القتال، وآخرون تلقوا وعودا بالحصول على وثائق إقامة لعائلاتهم فضلا عن راتب محدود». وكان فيديو نشر على الانترنت، غالبا من قبل معارضين للنظام السوري، أظهر مقاتلا أفغانيا مصابا وهو يروي أنه كان لاجئا في إيران حيث عرضت عليه السلطات 600 دولار شهريا للقتال في سوريا تفاديا لترحيله. وبعيدا عن الإغراءات بحياة أفضل، يشارك بعض المقاتلين الأفغان في الحرب في سوريا دفاعا عن مذهبهم الشيعي.

كما أن العقيد القذافي تعاقد مع مئات الأفارقة من دول الجوار، للمحاربة إلى جوار أنصاره ضد الثوار الذين ثاروا على طغيانه. ولما سقط نظام القذافي ولقي مصرعه في لحظة يأس، هربت فرق المرتزقة الأفارقة، وطاردهم الثوار داخل وخارج الحدود الليبية، كما ألقي القبض على البعض. والبعض الآخر قتل أو هرب خارج الحدود.

والشاهد أن تفشي البطالة وانتشار الفقر والحاجة القصوى لما يسد الرمق، أصبحت تدفع آلاف الناس لممارسة الارتزاق بجميع أشكاله، وفي بلدان عديدة هنالك من هم على استعداد لبيع أطفالهم وأعضائهم، والتنازل عن زوجاتهم من أجل حفنة من الدولارات.

تقودنا هذه المداخلة إلى عصر الألفية الثالثة والفضاء المفتوح وعصر نهاية التاريخ، وفق تقويم «المايا»، وهي حقبة تاريخية جاءت بعد نهاية الحرب الباردة، وسقوط حائط برلين وتفكيكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية بأسرها، حقبة سعد سكان المعمورة بها ظناً منهم أن حقبة تاريخية أطلت مع طلائع «النظام العالمي الجديد»، فإذا بالنظام الجديد يجد من الذرائع ما يدفعه لشن حروب جديدة، بادعاء مكافحة الإرهاب الدولي وملاحقة قادته، أو تحت ذريعة كشف وتدمير أسلحة الدمار الشامل، كما تم رسم واختلاق مبررات وهمية لغزو العراق،

ويبقى السؤال؛ لماذا لم تتوقف الحروب على مدى التاريخ؟ وهل قدر الإنسان أن الحرب لا مناص منها في أي عصر من العصور.. أم ماذا؟

تشير التقارير المنشورة إلى أن في العالم الآن 20 منطقة محتدمة فيها حروب واقتتال، وأن 60 منطقة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط قابلة للاشتعال في أي وقت، بل إن إمكانية نشوب الحرب العالمية الثالثة محتملة في أي وقت، ذلك أن الإنفاق على التسلح يفوق تكلفة الحاجة للطعام بثلاثة أضعاف، ولو أنفقت الدول النامية 3% مما تنفقه على السلاح والتجهيزات للحرب من آليات ورواتب لأفرادها.. لما بقي جائع أو عاطل أو لاجئ أو مشرد.

ولكن يظل ذلك مطلباً مستحيلاً، لأن الدول الصناعية الكبرى التي تمتلك وتدير إمبراطوريات مصانع السلاح، ليس من مصلحتها أن تتوقف الصراعات في شتى بقاع العالم حتى لا تتوقف مصانعها عن الدوران، لأن تجارة «السلاح والمخدرات واللحوم، تعد الأكثر ربحاً على مستوى التجارة الخارجية العالمية، وأن الحاجة لأي منها لم ولن تتوقف».

ولهذا فإن القضاء على هذا الثالوث أو إبطال الحاجة إليه يبقى من المستحيلات، وكل جهود تبذل لإسكات أصوات البنادق أو الامتناع عن أكل اللحوم أو الكف عن التعاطي، لا تجدي فتيلاً في هذا الزمن العبثي.. زمن عصر العولمة والنظام العالمي الجديد والموت الجماعي والحرب بالوكالة!

Email