ليس ربيعاً.. ولا هو عربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كادت تكتمل خمس سنوات على قيام ثورة 25 يناير، فما أكثر الأسئلة التي ترد على الذهن بشأنها، وما زلنا نختلف على إجاباتها. هل كان أحد يتوقع قيام ثورة في 25 يناير2001؟ ولماذا قامت أصلاً، وسواء اعتبرناها ثورة أو شيئاً آخر، ألم تكن مختلفة جداً عن غيرها من الثورات المعروفة في التاريخ؟ ولا تستحق ما وصفت به «بالربيع العربي»؟.

أما السؤال عما إذا كنا نتوقع قيامها، فإجابتي أني لم أكن أتوقعها، وأظن أن هذا كان حال معظم المصريين، وذلك على الرغم من عدة أمور:

الأول: أنه كانت ثمة أسباب كافية جداً لقيام ثورة، أثارت استياء معظم المصريين وغضبهم وكراهيتهم للنظام الذي كان سائداً وقتها، ومنذ فترة طويلة.

ولكن قراءة التاريخ، سواء المصري أو غيره، تدلنا على أن وجود دواع كافية لقيام ثورة في بلد ما، لا يؤدي بالضرورة إلى قيامها، إذ قد توجد إلى جانب هذه الدواعي القوية، موانع قوية أيضاً ضد قيامها. كقوة جهاز الأمن مثلاً، أو وجود قوات احتلال أجنبي، أو حتى شيوع شعور عام باليأس من أن الثورة لو قامت يمكن أن تصلح الأمور.

والأمر الثاني، الذي كان يمكن أن يؤدي إلى توقع قيام ثورة، أنه خلال الخمس سنوات السابقة على أحداث يناير، تكرر ظهور حركات الاحتجاج والإضرابات والمظاهرات، ما كان من الممكن أن يتطور إلى ثورة.

ثالثاً: حدث أيضاً قبيل أحداث يناير، أن سمعنا بقيام ثورة في تونس، بدأت ببعض الأحداث الدرامية، إذ قام بائع متجول بإشعال النار في جسده، احتجاجاً على إهانة تلقاها من بعض جهات الأمن، ولقي حتفه، فأثار ذلك ثورة التونسيين. كان ما نسمعه عن الأحوال في تونس، من حيث شيوع الفساد، واشتداد قبضة الجهاز البوليسي، له بعض الشبه بالأحوال في مصر..

ولكن ما نعرفه عن تونس، يدل أيضاً على أن الفساد كان أكثر فجاجة، والقبضة البوليسية أشد قسوة مما كانت في مصر، فضلاً عن أن درجة متابعة المصريين لما يحدث في تونس، ومدى تأثرهم به، لم يكونا مما يرجح انتقال عدوى الثورة بهذه السهولة من تونس إلى مصر.

لكل هذا كان موقفي عندما سمعت أن أعداداً كبيرة من المصريين ينوون التجمع في ميدان التحرير، منتهزين فرصة عيد الشرطة في 25 يناير 2011، كتعبير عن سخطهم على النظام، أن اعتراني بعض الاستغراب، وأن اختلط الاستغراب بالطبع بالفرح، آملاً في حدوث ما لم يكن متوقعاً.

نعم، كانت هناك ثورة، ولكن ظهر للأسف، شيئاً فشيئاً، أنها مما يمكن تسميته «بثورات آخر زمن»، أي نوع جديد من الثورات، ربما كان به شبه بثورات أوروبا الشرقية التي أسقطت النظام الشيوعي في أواخر الثمانينيات، ولكنها تختلف عن الثورات الأقدم، كالفرنسية أو الروسية، حيث كان يحدث في أعقاب أي ثورة تنجح، إسقاط الممسكين بالسلطة...

وأن تنتقل السلطة إلى الثوار أنفسهم. في هذه المرة، نجح الثوار في إسقاط رأس النظام، ولكن السلطة انتقلت إلى خليط من رجال النظام المراد إسقاطه، وشخصيات كانت قد أظهرت استعدادها لخدمة أي نظام، أو جماعة تدين بمبادئ خاصة بها، لم تكن تعتبر هي التي عبرت عنها شعارات الثورة عند قيامها، لم تسهم مساهمة حقيقية في الثورة، وسرعان ما أظهرت عداءها لها.

لا عجب أن ما وصف بأنه «ربيع عربي»، تمخض عن شيء لا علاقة له بالربيع. ولكن سواء كان هذا الذي حدث ربيعاً أو فصلاً آخر من فصول السنة، فإني واثق من أنه لم يكن «عربياً» مئة في المئة. ولكن هذا يحتاج إلى مقال آخر.

 

Email