معلمي الفاضل

ت + ت - الحجم الطبيعي

قضايا الفئات الحساسة في المجتمع، تُعد قضايا رأي عام. بغض النظر هنا عن تجريم النشر بدون علم الأشخاص، واعتباره تعدياً على الخصوصية، في حين أننا أمام فصول دراسية كاملة مليئة بالطلبة، وهناك أطفال تم الاعتداء عليهم مِن قِبل مَن وَصْفهم التربوي قبل الوظيفي بـ «مربي أجيال»، عيّنتهم الدولة بوزارتها التربوية التعليمية، كمربٍ ثانٍ بعد البيت.

هذا الطالب، بعد خروجه من فصله سيصل بيته، ويُقفل باب المنزل خلفه، وقد يُقفل فمه معه، ربما لن يخبر ذويه بالحادثة، خجلاً مما ألم به، من صراخ وتشجيع واستهزاء وتصوير للمعلم، الذي كاد أن يكون رسولاً، وهو يوسعه ضرباً وتنكيلاً.

عنف وشراسة، وضربة قاضية تلقاها طالب وهو جالس على كرسي في عيادة، وليس في الشارع. 3 حالات ضرب مصورة في أسبوع واحد، إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن الضرب ليس بجديد، والجديد هو تصوير الضرب. نعتقد بالحاجة إلى وجود أطباء نفسيين أثناء مقابلات التوظيف للمعلمين، للتقييم قبل التقويم.

في الإمارات، تُستنكر هكذا حوادث، الإمارات التي بذلت الكثير، وسنت القوانين الكفيلة برعاية الطفل، وعدم تعرضه لأي إهانة تحط من كرامته، الإمارات التي بنت وتبني أجيالاً تعتد بهم. هل من المنطقي الآن، وفي زمننا هذا، أن نعاقب الطالب إذا قصر في فرض من فروضه المدرسية «بالفلقة»، وإن رحَّب جيل الفلقة بها؟!

المعلم منظومة متكاملة، آلة زمن تحتوي كل خلق حميد يلامس السماء، وسلوك أرقى وأعلى من أن تشوبه أية شائبة في أعين طلابه، ولنقل مريديه، آلة زمن تعمل اليوم لإنتاج أجيال لزمن المستقبل، زمن لن نعيشه نحن، ولكن نعمل ليكون كما نتمنى ونحلم، ولا يقال فيه «معلمي الله لا يسامحه»، ولا نُصدم بكيل الاتهامات والمرارة التي كان يعيشها أو تعيشها الطالبة، بين جدران الفصول الأربعة، قهراً ممن يفترض أنه رمز المحبة.

ما حاجتي لمعلمي، وأنا أمقت أن أرى وجهه، قبل أن تخطو قدمي عتبة فصلي الملون الجميل، فصلي الذي أنفقت عليه قيادتي الكثير كي تُجمله في عيني وتحببه إلى قلبي، وأهدتني معلماً يضيء عقلي، لا معنى للجمال، لقلب كُسر بعصا من لا يحترم آدمية طلابه، يعدهم كبش فداء لمشاكله الخاصة والعامة.

الطالب، أيها المعلم الفاضل، لا علاقة له لا بحماس ولا بتنظيم القاعدة، هو فقط «طالب علم»، عليه ائتمنك أبواه، أنت من سيغرس فيه مبادئ الدين القيم، والخلق الحسن، وثقافة الاحترام والكرامة، والولاء للوطن، فتضيف فرداً صالحاً للأسرة، ولبنة للمجتمع، وفخراً للدولة. قيادتنا عولت الكثير على أبنائها، ولم تقصر عليهم بشيء، ليكملوا طريق حلم الإمارات، وعلى الجميع أن يستشعر حجم مسؤولية الأمانة التي بين يديه.

المعلم بدلاً من أن يمسك العصا لمن عصا، ليته اطلع على هوايل الألعاب الإلكترونية، التي سيهرب تلميذه إليها، لينسى صفعاته، ليته ابتكر أسلوباً مضاداً للصواريخ التي تستهدف عقول طلابه.

المعلم، بالتأكيد، محل كل الاحترام والتقدير، خبرةً وعلماً وأخلاقاً، مقدرين له الجهود الجبارة التي يبذلها، في زمن هو بحاجة فيه إلى أعصاب حديدية، ليتمالك نفسه أمام طلاب مباريات قلة الأدب، ولكن بالله عليكم، كيف ستُغرس هيبة المعلم، ومنهم من يتعمد بوضوح كوضوح الشمس، قلة الضمير في شرح الدرس في الفصل، ليجبر الطالب جبراً لطلب الدروس الخصوصية منه، بالساعة، والدفع مقدماً، وإن رفض، كان الله في عونه هو ووالديه.

أيها المعلم الفاضل، الضرب التأديبي شيء، والإهانة والتحقير شيء آخر. من استحقرته اليوم، وأهنته لصغر حجمه، لأنه لا قِبَل له بك، ولا هو ند للند، ستُسأل عنه غداً، حين تحتويه الحياة، حين تكون أنت قد أكملت رحلتك، إلى مرسى قاربك.

Email