مبادرات الخير وصناعة الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تزاد قتامة الصورة ويزداد وضع العالم المحيط بنا من شرقه إلى غربه ومن أدناه إلى أقصاه اضطراباً، وعندما يتسرب الأمل من بين يدي قطاع عريض من أبناء هذه الأمة في غدٍ أفضل ويصبح الانكسار سمة غالبة على الجزء الأكبر من المشهد اليومي، وعندما يكون الناس بين يأس محيط غالب ورجاء خافت بعيد، تأتي رحمة الله في أن يقيض لهذه الأمة رجالاً يحبون صنيع الخير، في الوقت الذي يكون غيرهم منشغلاً ببذر بذور الشر والفتنة بين أبناء الوطن الواحد والنسب الواحد، رجال يوقدون مصابيح تضيء الدروب في الوقت الذي يعشق غيرهم الظلام ولا يجيدون العمل إلا فيه، رجال جعلوا إسعاد الناس رسالتهم في الحياة وغاية أمانيهم ولم يفلح غيرهم إلا في إصابة القلوب بالهم والنفوس بالحزن، رجال يجيدون صناعة الأمل في حين احترف غيرهم بث الخوف والقنوط وكلما ازداد الناس هماً وغماً زادت نفوسهم المريضة سعادة، رجال يرون أن رعيتهم أمانة ووطنهم دونه الغالي والنفيث، وغيرهم يرون أن شعوبهم عالة عليهم وهم ثقيل، وأن الوطن لا يتسع إلا لهم، وأن الحياة لا يستحقها إلا أمثالهم، أما غيرهم فيكفي أنهم تركوا لهم الهواء يتنفسونه.

هؤلاء الأخيار هم الرجال بحق، هكذا هم وهكذا هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي أخرج لنا من مكنون مبادرات الخير صفحة جديدة تضاف إلى كتاب الخير والنماء، وهو الطريق الذي يجيد السير فيه، وكان آخر هبات الخير وليس آخرها، والتي تتعدى كونها مبادرة إلى مظلة كبرى، عبر إطلاق أكبر مؤسسة عالمية قوامها 28 مؤسسة تنفذ 1400 برنامج، لا يقتصر نفعها، كما هي نظرة سموه دائماً، على أبناء الإمارات فحسب ولكن يمتد نفعها إلى 130 مليوناً في 116 دولة حول العالم، ليستظل بظلها من لفحة الهجير ونير الفقر وعثرات الجهل وقسوة الحاجة وتأخذ بأيديهم من وهدة الجهل إلى جمال المعرفة والعلم والنور.

هكذا تكون لحياتنا قيمة حقيقية عندما ترى أثر طيب صنيعك فيمن حولك، وهكذا القادة الذين توقف التاريخ أمامهم طويلاً حين تعدت مآثرهم محيطهم الجغرافي إلى العالم من حولهم، فامتدت حياتهم في حياة كل من وقفوا بجانبهم، وبقيت أعمالهم شاهدة على علو همتهم ورغبتهم الصادقة تدعمها إرادة الفعل في أن نعيش في عالم أفضل.

إن التحديات الكبيرة لا يمكن أن تقابل بجهود فردية متناثرة رغم حسن نوايا أصحابها، غير أنها تظل دون بلوغ الطموح ودون أثر حقيقي، وهذه المظلة الخيرة التي أرسى دعائمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تنتقل بالعمل الإنساني من الفردية إلى المؤسسية العالمية، ومن المراوحة بين الصعود تارة والهبوط تارة أخرى إلى خطة طموحة تعرف طريقها حتى عام 2025، ومن التشتت بين مناطق تحظى برعاية وأخرى في طي النسيان إلى مسح شامل يصل إلى 130 مليوناً.

ولأن التحديات التي تواجه منطقتنا العربية تحديات كبيرة، كما أكد سموه، كما أن قطاعاً كبيراً من شباب أمتنا العربية يعاني من غياب القدوة والعمل الحقيقي واليأس في غدٍ أفضل، كان من الأهمية بمكان زراعة الأمل في نفوسهم، والتبشير بأن شمس الغد تحمل بنورها فرحة الأمل، ويقيناً أن تلك الروح الجديدة ستستفز فيهم أفضل ما لديهم من طاقات عمل كفيلة بتغيير الكثير في واقع أمتنا العربية.

إن زراعة الأمل، والقيادة بالأمل، الذي يتبعه عمل حقيقي، هو طوق النجاة لشبابنا، الذين يحتاجون إلى من يرشدهم إلى ميادين العمل الحقيقية في البناء لا الهدم، وفي التعمير لا التخريب، وفي إسعاد الناس وتحسين حياتهم بدلاً من صناعة الموت، خاصة وأن من يتأمل أهداف المؤسسة عالمياً يجد أن مخصصاتها تتعاظم في الاستثمار في إنشاء مراكز الأبحاث والمستشفيات في المنطقة، إلى جانب مضاعفة الأبحاث في مجال المياه في عالم يعاني من شح فيها، فضلاً عن علاج العمى ودعم الأسر.

كما أن المبادرات التعليمية كان لها نصيب وافر من حيث طباعة الكتب وتوزيعها، وتشجيع القراءة ومكافحة التسرب من التعليم عبر دعم تعليم الأطفال، وجاء تمكين المجتمع عبر الترجمة إلى العربية، وتشجيع المبدعين والمثقفين والإعلاميين، وتوفير فرص عمل ودعم رواد الأعمال الشباب وتدريبهم، هذا الفيض الكبير من قوة الفعل المتكامل قادر على تغيير واقع وصنع واقع، وهو ما يرتقي بما قدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى ذروة العمل الإنساني لقائد أبدع في القيادة بزرع الأمل، في الوقت الذي نرى فيه من حولنا من يكرسون اليأس بين شعوبهم، والفارق عظيم عظم ما يقدمه من فكر وعمل.

Email