عاصفة الحزم وإعادة الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يترقب الجميع مآلات عاصفة الحزم، التي تقود تحالفها المملكة العربية السعودية، وبفعالية كبرى دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول خليجية شقيقة، ضد ميلشيات الحوثي وبقايا أتباع المخلوع صالح، وتسير هذه العملية بما أريد لها من عزم، مصحوبة بجهد حثيث ليعود الأمل سعيداً، لا فريسة تتناوشها أيدٍ، يجرّي الآن غلّها إلى أعناقها، أيادينا تمضي دحراً وتطهيراً للخطر الوجودي الذي يتحيّن فرجة على مدّ سواحل خليجنا العربي، محاولاً عبثاً، تجييش النفوس المصابة بالمسّ واختراقها. ولكن هيهات أن تمر ودروع الخليجيين ثابتة، وتزداد يوماً بعد يوم صلابة، لا لتوقف الزحف، بل لتدحره ومن خلفه من هذه المحاولات المترنحة المحمومة، ونحن نعلم يقيناً أنّ حقّاً وحقّاً لا يلتقيان في ساح، وإنّ الباطل كان زهوقاً، وسيكون.

ويضيف نسور الجو ملاحم النصر السماوي المؤزر القادم بعون الله. فإن كانت الآلاف من صواريخ التحرير من براثن ولاية الفقيه والاستقواء بالأجنبي وبيع العقول والأرض، تصيب أهدافها يوماً بعد يوم بدقة عالية، وتدك حصونه المتهالكة، فإن أيادي البناء ليست ببعيدة لتزرع وتبني في المواقع المطهّرة من هذا الدنس، غراساً زكيّةً في أرض اليمن، التي لم يل من جنباتها يوماً إلا طيب، فهذه عين الأخوّة في الذود والسَند والإجارة.

ولأن منهج البناء المتكامل أبقى ويضمن المستقبل المشرق الذي ترفَع أركانه علماً وعملاً، صحة واقتصاداً، فنوناً في الحياة، كل الحياة، والتي ستحصّن بتكاملها النفوس من الانزلاقات والانحرافات في زمن الاضطرابات المشوب بالكثير من الاعتلالات الصادمة، وأحياناً كثيرة هادمة لكل بناء، وبذا تتبلور أكثر فأكثر صورة الاتصال والتواصل الاستراتيجي القويم الذي يستثمر ويستشرف عبر بوابته تحقيق البناء المتكامل الشامخ.

ورغم تدافع صور الأسى القادمة من أرض اليمن، وكما يكفي العين أن تشهد برعماً واحداً لترى فيه معاني الربيع جميعاً، يغسل ما سبقه من خريف عاصف، فها هي ملامح الأفراح والسعادة الغامرة، وهي تلف قلوب أهل الخليج والأمة العربية والإسلامية، ومحبي السلام حول العالم، حيث ترى عدن اليوم ترفل بمزيد من السلام والطمأنينة، وتعود حكومتها الشرعية لممارسة مهامها لخدمة الشعب، وتكريس مبادئ التعايش في حضن وطن تسوده القوانين والأعراف الناظمة التي تساوي أهل اليمن بحقوقهم وواجباتهم، وتعفيهم من هيمنة النفوس التي تحاول استنساخ أشباهها المنفّرة بالقهر والسطوة المتجبرة، وتتحرّك يوماً بعد يوم جحافل قبائل اليمن خلف منادي الشرعية، ما يبشر بمزيد من الانتصارات المتلاحقة القادمة.

إن النقوب التي نخرها المخلوع والماكر علي عبد الله صالح خلال فترة حكمه الطويلة في جدارية حكمة الإنسان اليماني، ومكّنته من بثّ المكائد من خلالها لتفتيت الأرض واللعب على المتناقضات المحلية والدولية، دفعاً بمصلحة شخصيّة ضيقة، شفاءً لكبريائه الذي احترق مرّة، وقد تهيّئ لمصالحه الشخصية الآن حتمية أن تكوى وتندثر أبداً ولمرة واحدة.

إن الاتصال والتواصل المباشر الذي يجري اليوم بين قيادات وشعوب الدول الخليجية والشعب اليمني بمختلف شرائحه، يعكس حالةً جديدةً من الوعي والإيمان العميقين بصدق الراية والغاية التي خرج من أجلها هذا التحالف، وتعاضدت تحته الجهود، وسرى من خلاله دفق المحبة والإخاء على مستوى الأفراد، سنداً لقياداتهم، تأكيداً على سلامة بناء جسم خليجي متعاف، جسَد خليجيٍّ يمسَح عن جدارية اليمن كلّ ندوب الأمس، التي تتطهّر بملح الخليج، وتسقى جدرانها بملاطٍ من التراب وأطهر الدم، ويكفي هذا شاهداً على التفاؤل بالمرحلة القادمة، ودليلاً على أنّ النجاحات التي ترتفع كلَّ يوم في أراضي الخليج، هي ليست محدودةً بعامل الجغرافيا، بقدر ما تسري بين الحدود لتمسّ كلّ خليجي في موقعه.

ولعلَّ هذا الميثاق القائم وغير المنطوق بين القيادة والشعب في أرض الخليج، لهو أرقى ما يكون من تجليّات الاتصال، حين تنتفي الحاجة إلى التصريح، وتنتهي إلى حقيقة الفعل، سواءً فداءً بالدم أو بالمعونة من المال والوقت من قيادات البلاد وأهلها على حدٍ سواء، وإن كان من شاهدٍ يؤتى هنا، فإنّه حصاد ثمار عقود خلَتْ من الرؤى السديدة التي أسست للإنسان الخليجي أن يكون الأكثر وعياً ودرايةً والأسرَع تحرّكاً وتحسّساً لأي خطر، بعيداً كان أم قريباً.

ويعطي دلالةً على تكاتف الآلة الإعلامية على مستوى الخليج، محمولةً بكونها على قلب واحد، فكانت على لسان واحد، رغم تعدد المنابر والمدارس والاتجاهات.

إن أكثر ما يميز هذه المرحلة، أن الأرض اليمنية التي ارتوت من دماء شباب الخليج العربي الطاهرة، بدأت تنبت زهراً في ربوع أرض الجزيرة كلها، ليزداد عبق التلاحم الأسرة الواحدة في نفوس الصادقين، وحري بكل الأحرار في منطقتنا من مختلف القطاعات، مع ما يمثلونه من مؤسسات، أن تبدأ في وضع لبنات بناء المستقبل المشرق، عبر أبحاث ودراسات وأفلام وثائقية تؤسس لمرحلة البناء الحضاري الكبير القادم، وإني لأرى بعض ملامحه حاضرة أمامي الآن، وسنرسم معاً أبرز صوره في مقالات أخرى.

Email