أزمة الدستور في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتدم الجدل الآن مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر، حول تعديل بعض مواد الدستور، الذي لم يمض على إقراره في استفتاء عام، وبأغلبية كبيرة، عدة شهور. وأسباب هذا الجدل، هو ما يتعلق تحديداً بباب نظام الحكم، الذي تختلف عليه الآراء بشدة.

لماذا هذا الخلاف الذي فرض نفسه على النقاش العام، ووصل إلى درجة مطالبة البعض بتعديلات دستورية تسبق الانتخابات؟.

في مقدم المواد التي فجرت الأزمة، المادة (146)، التي تنص على أن «يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب.

فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل».

ونفس الشيء ينطبق على سلطة الرئيس في إعفاء الحكومة أو إجراء تعديل وزاري، الذي يستلزم الشرط ذاته (أي موافقة أغلبية البرلمان)، وفقاً للمواد اللاحقة لهذه المادة.

كذلك، يحق للبرلمان سحب الثقة من الرئيس والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في ظروف معينة (مادة 161)، وهناك أيضاً مواد خضعت لهذا الجدل، مثل وجوب مراجعة البرلمان للقوانين التي صدرت قبل انتخاب المجلس في غضون 15 يوماً، كي يصبح لها قوة القانون، وإلا أُلغيت بأثر رجعي (مادة 156)، وهو ما قد يتعذر تنفيذه عملياً، نظراً لقصر المدة الزمنية المنصوص عليها.

ولذلك، تبقى المواد سالفة الذكر، والمتعلقة بالعلاقة بين الرئاسة والبرلمان، أي بشكل نظام الحكم، وما إذا كان يجب أن يكون رئاسياً أم برلمانياً، هي الأهم في المناقشة المثارة.

ورغم أن جانباً من الجدل انصرف إلى أسلوب التعديل، كأن يتم باستفتاء عام، أو وفقاً لما قررته القواعد الدستورية، أي من خلال مجلس النواب بعد انتخابه، إلا أن ذلك يدخل ضمن الأمور التفصيلية والإجرائية. وهنا، يمكن إثارة عدد من الملاحظات المرتبطة بالممارسة السياسية عموماً، والتي قد تتجاوز تلك الأزمة.

أولاً: قضية الاختيار السياسي، فأي دستور يجب أن تحكمه في النهاية توجهات محددة، قبل أن يعكسها في مواده، لأن مثل هذا الجدل، كان يجب ببساطة أن يسبق وضع الدستور، لا أن يكون لاحقاً عليه.

ومعروف أن النظام الرئاسي كان هو المفضل لمصر منذ 1952، وأن أخذها بالنظام البرلماني في الحقبة السابقة على هذا التاريخ، كان له ما يبرره. ولا يعني ذلك أن هناك أفضلية للنظام البرلماني على الرئاسي أو العكس، لأن كلا النظامين يقعان في دائرة النظم الديمقراطية. إذن، فالمشكلة عندنا تتعلق أولاً وأخيراً بالاختيار.

ولذلك، عندما يحتج البعض بأن هناك مواد أخرى توازن بين سلطة البرلمان والرئيس تمنحه حق حل المجلس وفق شروط محددة، وأنه ليس نظاماً برلمانياً كاملاً، مثلما كان يُحتج في الماضي بأن النظام المعمول به ليس رئاسياً خالصاً، فإن ذلك لا يحل المشكلة، بقدر ما يؤكد أننا ندور في حلقة مفرغة.

ثانياً: أن الانتقال من النظام الرئاسي إلى البرلماني، أربك المشهد السياسي لأسباب عديدة، منها ما يتطلبه الأخير من وجود أحزاب قوية وميراث حيوي في الممارسة البرلمانية، فبعضها فشل، وبعضها وتم التشكيك فيه، واستمرار معضلة الأحزاب الدينية بأجندتها المعروفة، فضلاً عن كون التنافس على النسبة الأكبر من المقاعد، هو بالنظام الفردي، تؤكد أن البرلمان القادم سيكون بلا هوية سياسية.

ثالثاً: ما يتعلق بالنمط التقليدي لطريقة تشكيل اللجان في مصر، والتي عادة ما تعتمد على قوائم جاهزة من الأسماء والشخصيات التي يتم توزيعها على المهام المختلفة، أي الطريقة البيروقراطية. وهو ما ينطبق على لجنة «الخمسين»، دون إقلال من وزن المشاركين فيها، لأنها كانت أقرب إلى البرلمان المُصغر المعين المعتمد على «كوتة».

Email