إيران والصيد في المشاعر المقدسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أول أيام عيد الأضحى المبارك، سقط أكثر قليلاً من ألف وسبعمئة حاج، ما بين حالة وفاة وجريح، أثناء تأدية مناسكهم في مِنى. والحقيقة، أنّ هذا الحادث المؤلم، الذي يُعد الأسوأ منذ خمسة وعشرين عاماً في موسم الحج، جرى نتيجة تدافع الحجيج، تباينت الآراء في تحليل أسبابه ومصادره.

فهناك من يُرجع التدافع إلى تزاحم الحجيج، وإصرار كثيرٍ منهم على رمي الجمرات في وقتٍ واحد، على الرغم من وجود رخصة التوكيل، أي أنْ يقوم الحاج بتوكيل غيره في رمي جمراته، ومن ثم يتجنب النساء والضعفاء من الرجال والولدان الولوج في الأماكن شديدة الازدحام. كما أجاز العلماء إمكانية تأدية هذا الواجب في أوقات متعددة، بل وذهب بعضهم إلى إمكانية تنفيذ الرمي بالليل..

وإن فضلت أوقات النهار. وثمة من يُفسر التدافع، الذي أزهق أرواح نحو تسعمائة من ضيوف الرحمن، بعدم التزام عددٍ من الحجيج بمسارات المرور التي تحددها السلطات السعودية لهم، وحملهم أمتعتهم معهم أثناء تأدية المناسك، ما يعيق تحركهم وحركة الآخرين. وهناك بالطبع تعليل للتدافع، بعدم صرامة الإجراءات التنظيمية والأمنية، ولا سيما في ما يتعلق بمعاقبة المخالفين لقواعد وإرشادات السير في المشاعر المقدسة.

وربما كانت وجهة النظر الأخيرة تلك، وراء إصدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أوامره بمراجعة إجراءات السلامة في الحج. والحقيقة أنّ هذه التفسيرات جميعاً، على اختلاف أوزانها من الحُجيّة، تبدو موضوعية ومفيدة في الحؤول دون وقوع حوادث أخرى أثناء تأدية المناسك في الموسم الحالي أو في المواسم القادمة.

بيد أنّ محاولة الاستغلال السياسي لهذه الفجيعة، هو من قبيل الابتزاز للمملكة العربية السعودية وقيادتها، التي لا تألو جهداً في التيسير على ضيوف الرحمن وإكرام وفادتهم، وتشبه الصيد في المشاعر المقدسة، الذّي هو محرّم شرعاً. دون الحديث عن أنّ الاستغلال السياسي للحادث الذّي ترددت أصداؤه في أقطار العالم الإسلامي كله، ليس إلا مخاتلة لا تليق بالموسم أو أصحابه.

وكما تقف إيران وحدها إلى جانب من يقتل ويُشرد مئات الألوف من المسلمين في جنوبي الجزيرة العربية والهلال الخصيب، تصيدُ وحدها في المشاعر المقدسة. فقد سارعت طهران إلى استثمار الحادث المؤلم لتحقيق أهداف سياسية. لقد وصل الابتزاز السياسي الإيراني للسعودية، على خلفية الحادث الأليم، إلى حدوده القصوى.

فقد استغل الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف قمة الأمم المتحدة في التشهير بالمملكة، والمطالبة بالتحقيق في حادث وفاة الحجيج في منى «وحوادث أخرى خلال موسم الحج لهذه السنة». وكرر ظريف، قبيل إجرائه مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، «الحاجة إلى معالجة الحادثة الكارثية في السعودية».

وكان المدّعي العام الإيراني سيد رايزي قد أعلن أنّ بلاده سوف تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة للمطالبة «بمحاكمة العائلة الملكية السعودية لما ارتكبته من جرائم، عبر قنوات التقاضي الدولية». ومن يُحاسب «نظام الملالي» على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها بحق المسلمين في اليمن وسوريا!

والحقيقة، أنّ موقف طهران برمته من الحادث يكشف سعيها إلى كسب نقاط سياسية في مواجهة المملكة، التي تقود تحالفاً عربياً مؤازراً لوقف التمدد الإيراني في النظام العربي، والحؤول دون أنْ تؤتي سياستها في «شد الأطراف» العربية أُكلها. كما يكشف أنّ توجه «الجار قبل الدار كواجب ديني وضرورة استراتيجية»، الذي بشّر به ظريف الشهر الماضي، ليس سوى «ظُرف إعلامي» لا أكثر.

والأهم من ذلك، أنّ سلوك التربص بالعرب يؤكد أنّ كل ما حاول روحاني نفسه أنْ يروّجه عن حُسن الجوار مع دول الخليج، خلال زيارة قام بها قبل شهرين إلى العراق والكويت وقطر، ليس إلا كلاماً لا يساوي قيمة المِداد الذي كُتب به.

أهو سلوك إيراني جديد؟ بالطبع لا «ومن زمان ترى نعرف المسألة، ولي نشوفه اليوم من ذيك البذور».

 

Email