تراشقات دبلوماسية مرشحة للتصاعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك تراشقات دبلوماسية بين روسيا والدول الغربية، وهنالك تحركات عسكرية روسية في سوريا، يصفها الغرب بأنها مقلقة تبعث على الريبة، بعد أن أعلنت موسكو عن دخولها المسرح العسكري السوري بقوة.

فحسب المصادر الغربية، لم يميز الطيران الروسي بين تنظيم «داعش» أو جبهة النصرة، وبين المعارضة السورية المدعومة من الغرب، ومعظم الضربات استهدفت مواقع في المناطق التي لا يسيطر عليها هذان التنظيمان. إلا أن هذه التراشقات لم تصل إلى المستوى الحاد والمتشنج الذي كانت عليه إبان حقبة الحرب الباردة.

التدخل الروسي في الأحداث السورية، يواجه بمعارضة شديدة في الغرب، وفي عدد من دول المنطقة، إلا أنها لا تتجاوز التعبير عن الاستياء والتحذير من أن يصبح التدخل مستنقعاً تغرق روسيا فيه، كما حدث في أفغانستان خلال الحقبة التي سبقت انهيار الاتحاد السوفييتي.

الرئيس الأميركي اكتفى بالتحذير بأسلوب هادئ خال من الانفعال، وعن قناعة بأن المسرح السوري لم يعد يسمح بمساحة واسعة لمناورات بلاده وحلفائها، حيث أكد في الثالث من الشهر الجاري: «لن نحول سوريا إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا».

روسيا، للمرة الثانية بعد ضم شبه جزيرة القرم، ترفع سيف التحدي للغرب، وللولايات المتحدة بشكل خاص، بما يذكرنا بالأجواء التي كانت سائدة إبان حقبة الحرب الباردة، على الرغم من الفوارق الكبيرة بين الحاضر وبين الماضي.

ففي الماضي، حصنت روسيا الاتحادية خاصرتها الغربية بدول أوروبا الشرقية، التي دخلت حلف وارسو الذي تزعمته موسكو، وحصنت جنوبها بدول وسط آسيا، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي. أما الآن، فالوضع مختلف تماماً، فخطوط التماس أصبحت تقبع على حدودها، بعد أن زحف حلف الناتو وابتلع جميع دول أوروبا الشرقية.

على المستوى الشخصي، يتميز الرئيس الروسي بوتين بالاعتداد الشديد بالنفس، وبصرامة المواقف، وعدم التردد في الحسم والوثوب للدفاع عن روسيا أو لتوسيع مساحة نفوذها حين تتوافر الفرص لذلك، على خلاف من سبقوه، يلستين أو غورباتشوف. خطابه مع الغرب يكهرب الأجواء السياسية..

إلا أنه لم يأتِ من فراغ، لأنه يعتبر تمدد حلف الناتو إلى وسط وشرق أوروبا، الذي بدأ منذ عام 1991، بمثابة لعبة مدروسة لتغيير الواقع الجيوسياسي في أوروبا، وهو ما يتعارض مع مصالح روسيا الاتحادية، ويهدد أمنها القومي، من هذا المنظور، يتهم الرئيس الروسي، الغرب بإشعال الحرب الباردة، فهل ما نشهده هو حرب باردة حقيقية؟.

خطوط التماس بين روسيا والغرب أصبحت أكثر وضوحاً، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وبعد المناورات العسكرية في البحر الأبيض المتوسط، والتدخل العسكري في سوريا، وبعد إعلان الصين الدخول في التحالف مع روسيا، وإرسال حاملة طائراتها ماوتسس تونغ، وعدد من القطع البحرية إلى البحر الأبيض المتوسط. إلا أن خطوط التماس هذه غير مرشحة للتوسع والامتداد، إلا إذا صحت الأنباء عن احتمال قيام روسيا بالتدخل العسكري في العراق لمحاربة «داعش».

الرئيس بوتين ربح حرب أوكرانيا مقابل ثمن باهظ، وهو العقوبات المؤلمة التي فرضت على بلاده، والتي ألحقت أضراراً بليغة في اقتصادها، وأضعفت كذلك من بريق صورته في الداخل، فهل تدخله العسكري الواسع في سوريا، سيلحق المزيد من الضرر ببلاده؟.

التدخل الروسي في الأحداث السورية، مغامرة محسوبة النتائج، فقد درست موسكو الموقف الأميركي من الأزمة السورية بعناية بالغة، على مدى الأربع سنوات الماضية..

ورصدت دور واشنطن المتراجع في منطقة الشرق الأوسط، منذ مجيء الرئيس أوباما لسدة الحكم، والذي لم يعد دور قوة عظمى، قدر ما هو دور قوة إقليمية. فعلى قدر ما لدى الرئيس الأميركي من رغبة في الانكفاء والتراجع نحو الداخل، لدى الرئيس الروسي رغبة في التحفز.

الموقف الأميركي من أحداث سوريا، فيه الكثير من الغموض، ففي الوقت الذي تعلن إدارة الرئيس أوباما، صراحة، أن لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سوريا، نراها لا تكتفي فقط بفرض قيود على تسليح المعارضة، بل تستخدم نفوذها على دول أخرى للالتزام بذلك.

الحرب التي بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها بشنها على تنظيم «داعش» منذ أكثر من سنة، ذات طابع استعراضي، فهي لم تحقق نتائج ترقى إلى مستوى ما هو منتظر من تحالف يضم ستين دولة، على رأسه أقوى دولة في العالم. في ضوء ذلك، نجد الإدارة الأميركية غير متحمسة لاتخاذ موقف للرد على التدخل الروسي في سوريا، الذي نال الكثير من هيبتها الدولية، حين سلب منها مسرح الأحداث، لأنها لا تمتلك خيارات بديلة، لعدم وجود استراتيجية واضحة تنتهجها إزاء أحداث سوريا، وربما إزاء أحداث عموم المنطقة.

 

* كاتب عراقي

Email