التعليم وبناء جيل مبدع

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المقطوع به أن الدولة تولي التعليم اهتماماً غير محدود باعتباره قاطرة التنمية التي على قدر قوتها وزخمها تكون حركة البناء والتطوير، كما أن القيادة الرشيدة أولت ومازالت الاستثمار في العناصر البشرية اهتماماً بالغاً باعتبارها الثروة الباقية والقادرة على الحفاظ على مكتسبات الدولة، ذلك أن تلك القفزات الهائلة التي حققتها الإمارات في مختلف المجالات، والتي تشير إليها وتؤكدها كافة المؤشرات العالمية، لم يكن لها أن تتحقق دون وجود فكر قوي تستند عليه، قادر على التعاطي معها والارتقاء بها عاماً بعد عام.

ولأن الأمر على هذا الحال وضعت قيادة دولتنا الرشيدة نصب أعينها حتمية إعداد جيل مثقف يركن إلى ثقافته الأصيلة مع الاستيعاب الواعي لعلوم عصره والإفادة منها بشكل انتقائي واعٍ مع قدرته على المشاركة في بناء حاضره وصناعة مستقبله، ولا طريق للوصول إلى تلك الغاية الكبرى والهدف السامي إلا عبر تعليم يلبي احتياجات الحاضر ويستشرف المهارات التي يحتاج إليها أجيال المستقبل، وهو ما أكد عليه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بقوله إن الاستثمار في قطاع التعليم هو الأفضل والأجدى، كونه يلامس حاجات الشباب في التعليم وبناء المستقبل القائم على العلم والمعرفة والابتكار في مجالات عدة، بما ينعكس على مجتمعاتنا ودولنا بالخير والتقدم الاقتصادي والثقافي والعلمي، وغيرها من القطاعات ذات الصلة.

إن ثقافة التميز أصبحت ظاهرة عامة في كافة مؤسسات الدولة ودوائرها، كما أن التفكير التقليدي لم يعد قادراً على التعامل مع واقع يحتاج ممن يعيش أحداثه إلى التفكير دائماً خارج الصندوق وأن يظل في حالة استثارة فكرية خلاقة، من هنا تأتي ضرورة أن تصبوا البرامج التعليمية، في مختلف مراحلها، إلى نوع من التعليم القائم على الإبداع أولًا، لذا فإن تطوير التعليم في الإمارات جاء على رأس أولويات العمل الحكومي، وأن الجهود مستمرة لتوفير نظام تعليمي مميز لأبنائنا وبناتنا، يضمن تخريج أجيال مبدعة، تحفظ للدولة مكتسباتها، وتصون مقدراتها، وتواصل مسيرة الريادة والازدهار.

وأن التطورات المتسارعة حول العالم، وما تشهده دولة الإمارات من تطورات على الأصعدة كافة، تقتضي نظاماً تعليمياً نوعياً يواكب مسيرة التنمية، ليكون نظاماً من الطراز الأول، ومن ثم الارتقاء بالمدرسة الإماراتية لتكون نموذجاً تعليمياً يحتذى به عالمياً.

وفي تقديري أن التعليم المبدع له جناحان؛ الأول هو أن تكون برامج التعليم متوافقة مع الاتجاهات العلمية الحديثة بما يجعل من أبنائنا منفتحين فكرياً على العالم، والثاني أن لا تمس هذه البرامج أو تنال من الهوية الوطنية وتلبى احتياجات الفرد الثقافية في آن معاً.

إننا نتطلع إلى نظام تعليمي يعد جيلاً متوازناً فكرياً يفخر بما لديه من فكر وثقافة وثوابت اجتماعية في الوقت الذي يزود فيه بمهارات عصره فكراً وأداء.

كما أن تكوين جيل مبدع من أبنائنا يتطلب أن تبتعد المناهج التعليمية عن التلقين المجرد إلى نوع من التعليم الوظيفي، الذي يستطيع من خلاله الطالب أن يوظف ما حصل عليه من معرفة في مواجهة تحد أو حل مشكلة، وهو ما ينمي لديه حب المعرفة الفعالة التي يلمس آثارها بنفسه، وهو ما يدفعه إلى تطويرها والبحث عن العلاقات المترابطة بين العناصر القادرة على تحقيق هدف واحد أو ما يسمى بتكامل العلوم.

فضلاً عن ذلك فإننا إذا أردنا أن نعد جيلاً من المبدعين من الأهمية بمكان أن يكون الطالب جزءاً من العملية التعليمية ذاتها؛ بمعنى أن يكون هناك ما يسمى تبادل الأدوار، بحيث يشارك الطالب في استنتاج المعلومة وطرح الفكرة، فضلاً عن تنمية قدراته العلمية على النقد، بحيث يصبح قادراً على مناقشة ما يعرض له من أفكار علمية أو ما يسمى بالتعليم التفاعلي، الذي ينتقل بالطالب من متلق للمادة العلمية فحسب إلى مشارك فيها ومنتج لها، وهو ما يحتاج إلى التدقيق عند اختيار المعلمين، باعتبارهم قطب الرحى في نجاح المنظومة التعليمية، وذلك أنهم حلقة الوصل الأهم بين المعلومة وبين الطالب، وعلى قدر إدراكهم لأدوارهم في المنظومة الجديدة للعملية التعليمية على قدر نجاحها.

من ناحية أخرى فإن المهارات التي يجب أن يتزود بها طالب اليوم أكثر تعقيداً ممن سبقوه، ذلك أن اللوح تحول إلى حاسب آلي، والكتاب الورقي تحول إلى إلكتروني، وأرفف المكتبات تحولت إلى مئات المواقع وقواعد البيانات، وهو ما يتطلب بيئة مواتية ومهارات نوعية وقدرة على البحث واستخلاص المعلومة من هذا السيل الجارف في عصر الثورة المعلوماتية.

إن ما نقدمه لأبنائنا اليوم هو ما سيكونون عليه في الغد، ومن يزرع العنب لا يجني الحنظل.

Email