يوم واحد برفقة صانع المهن

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفتح المدارس أبوابها لاستقبال الطلاب اليوم، ليدخلوا على معلم قضى وقتاً ليس باليسير ليعد نفسه وبيئته لاستقبالهم. هذا المعلم يَعلم تمام العِلم أن مهنته ليست كبقية المهن. فاليوم الدراسي الطويل، والتحضير الكثير، والمشاركة في إعداد أنشطة متنوعة ودخول لجان مختلفة خارج الجدول..

واستقبال غضب أولياء الأمور، التعامل مع الطلاب باختلاف مشاربهم، تصحيح الاختبارات، إلى غير ما يطلب منه من ابتكار وتوظيف للتكنولوجيا وللبحوث التربوية وحضور الدورات التدريبية، ثم العودة إلى المنزل منهكاً ليكمل التحضير لليوم التالي.

مهنة بهذه الأعباء وهذه الضغوط متعددة المستويات وما يتبعها من إرهاق بدني وعصبي قد لا تشكل مستقبلاً لامعاً وجاذباً لعدد من الخريجين، ولكنها حتماً الاختيار الأول للبعض ممن يعرفون جيداً ما الذي ينتظرهم في الميدان.

ورغماً عن كل ذلك مازالوا يصرون على أن يصبحوا معلمين. أحب دائما في اليوم الأول من المحاضرات أن أسأل طالباتي ما الذي دفعهن لامتهان التعليم رغم المتاعب المنوطة بها، إجاباتهن تبشر بمستقبل مشرق للوطن بفتيات صغيرات ينظرن بعين واعية نحو مستقبل الدولة وأجيالها الصغيرة ليأخذوا بيدها لبناء مستقبل عظيم. نظراتهن تتجاوز حدود القاعة الدراسية إلى الاستمتاع بتعليم الأطفال الذين سيتخذون أماكنهم في دولتهم يوما ما.

قدرت الكثير من الحكومات دور المعلم الاستراتيجي، وحتما ما تقوم به حكومتنا يدعم المعلم ومكانته لضمان استمراريته وعطائه. فجديدها مبادرة وتوجهات حكومتنا «لرفاه المعلم». وقبلها كانت هناك الجوائز المتعددة ورعاية الكفاءات المواطنة وتوفير البعثات الدراسية ودعم المعلم المواطن وسلم ترقيات وغيرها.

والعبء لا يقع على الحكومة هنا وحدها فنحن كأفراد وأولياء أمور يقع علينا غرس قيمة المعلم لدى الأبناء، هذه القيمة التي بدأت تتراجع وأصبح لا يروّج لها بشكل كاف. واحترام المعلم لا ينعكس فقط على حسن أدائه في الفصل ولكنه يطال ارتفاعاً وتحسناً في أداء الطلاب كذلك.

وأسوق مثلاً من دولة كاليابان التي قررت أن يحظى المعلم بأرفع درجات الاحترام والتقدير احتراماً لمن سيصنع على يديه مستقبل الجيل والوطن وجميع المهن.

فاليابان لا تنفق على التعليم من الناتج الإجمالي المحلي سوى ما يقارب 3.3%، ومع هذا يعتبر التعليم الياباني من أفضل نظم التعليم. وإيماناً منها بأهمية هذه المهنة، لا يتم قبول طلبة الجامعات في تخصص التربية بسهولة. وعندهم يقضي المعلم 60% من وقته في التدريس و40% في تطوير نفسه مع بقية المعلمين وتبادل الملاحظات.

كما يتم تسجيل حصص المعلم الحالي بالفيديو ليستفيد من خبراته ونقلها للمعلم الجديد. ويرجع الكثير من التربويين نجاح نظام اليابان التعليمي إلى احترام المعلم ورفعة شأنه في المجتمع والذي ينعكس إيجاباً على أدائه وأداء طلابه. يقول المثل الياباني: «يوم واحد مع معلم جيد، يكفيك عن ألف يوم من التعلم».

ما يبقي المعلم في وظيفته حتما ليس الراتب أو الإجازات أو الأعباء، ما يبقيه لسنوات طويلة في وظيفته هو أنه يعلم أن بريق عيون الأطفال حين يتعلمون شيئا جديداً لا يقدر بثمن، وأن العلاقة بين المعلم والطالب لا تشترى، وأن تدفق المعلومات والقيم والسلوك والمهارات في الصف يستحق كل جهد.

إن ما يحدث داخل البيئة الصفية عندما يغلق الباب ويظل المعلم مع طلابه هو ما يصنع الفرق ويصنع البقاء رغم الشقاء. إن بناء القيم وتعليم المعارف وإكساب المهارات لا يمكن أن يكون حرفة أبداً، فالتعليم ليس حرفة وإنما احتراف.

 

Email