قائد القرن 21

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن إعداد القادة الذين يمتلكون مهارات نوعية، ورعايتهم والعناية بهم هو العامل الحاسم في حاضر الشعوب ومستقبلهم، ذلك أنه القيادة الواعية المدركة لفرص النجاح، القادرة على اتخاذ القرار من خلال استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل، فضلاً عن قدرتها على العمل الجماعي، وقيادة فريق عمل مستندة إلى فهم عميق لطبيعة ما تؤديه وقدرة على التحليل، تلك هي العملة النادرة التي يجب التنقيب عنها والعناية بها، ذلك أن مهما كانت مهارات وقدرات الجموع من الناس إلا أنها تحتاج إلى من يحدد الهدف، ويستنفر الطاقات، ويسند المهام، ويعرف القدرات، ويصقل المهارات، ويقيم الإداء، وهو العنصر الفاعل والمؤثر في حياة الناس.

ولأن القائد الحقيقي المدرك لمعنى القيادة وأهميتها هو الحريص على إعداد جيل من القادة المزودين بمهارات تناسب عصرهم، من هنا جاء إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «نموذج قائد القرن الـ 21»، الذي صممته حكومة الإمارات ليمثل نقلة نوعية في مجال بناء القدرات وإعداد الكفاءات والقيادات في الحكومة الاتحادية، والذي يتميز بالتركيز على المستوى الوطني، وبناء شبكة علاقات فعالة بين القيادات الحكومية، وتعزيز العلاقة مع القطاع الخاص، ذلك أن القيادة الحقيقة هي التي لديها القدرة على إشراك كل الأفراد في كل الأشياء، في الوقت الذي تعتمد فيه على قدر من التفويض والحركة الذاتية عبر مجموعات من العمل، لديها القدرة على الإدارة الذاتية.

فالمركزية الشديدة تقتل المبادرة، وتحد من الإبداع، وتنشر الاتكالية وانتظار القرارات الفوقية أو الحل من الخارج دون تنشيط الذهن أو مواجهة المعضلات، كما أن المركزية الإدارية الشديدة تطيل أمد اتخاذ القرار وهو ما يؤثر على كفاءة المواجهة التي تتطلب مرونة كبيرة يجب إتاحتها لمن هم في الميدان، وهو ما يزيد من فاعلية الأداء.

كذلك إن قائد القرن 21 ليس هو ذلك القائد الذي يدير المؤسسة أو الدائرة من خلال تقارير دورية ترفع إليه من قنوات محددة يأخذ من خلالها قراراته، لكنها القيادة التي تعتمد على الإدارة المرئية أو الإدارة الميدانية من أرض الواقع وليست الإدارة المكتبية، وهو بذلك يفهم بشكل كبير حقيقة العمل ويلم بكافة جوانبه، كما يشارك بفكره من معه، وهو ما يؤسس لبيئة إيجابية محفزة قادرة على الإنجاز ومواجهة التحديات، كما أنه يؤسس بذلك لثقافة الإنصات الإيجابي لآراء العاملين معه، مع القدرة على وزن وتقييم مختلف الرؤى، والتدخل بفاعلية لتحقيق الصائب منها، كما أنها القيادة التي تهتم كثيراً بالعمل القائم على التخطيط ووضوح الرؤية.

ذلك أن الحماس الزائد والرغبة في الإنجاز قد يدفع البعض إلى عدم إعطاء مرحلة التخطيط ما تستحقها تحت عامل الرغبة في قطف الثمرة، غير أن ذلك نوع من التسرع غير المحمود، ذلك أن التخطيط الجيد وإن طالت مدته هو الضمانة للتنفيذ الجيد، وإدراك كل فرد في فريق العمل لمهامه بوضوح، كما أنه يزيد من ثقة الفرد بقيادته، ويمنع الإزدواجية، ويساعد في تقييم كل مرحلة من مراحل العمل، وإلقاء الضوء على نقاط الضعف والقصور، الذي يمكن تداركه من خلال خطط بديلة يتم وضعها مسبقاً، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حين قال «إن تقييم الأداء ومتابعته نهج ثابت في حكومة الإمارات، الهدف منه تطوير كفاءة العمل الحكومي، ورفع مستوى الخدمات التي نقدمها، في سبيل تحقيق السعادة للناس والاستجابة لطموحهم ومتطلباتهم بالشكل الأمثل. ونؤمن بأنه من أجل تحقيق أفضل النتائج التي تتوافق مع طموحنا في الوصول إلى المراكز الأولى عالمياً، فلا بد من تقييم وتحديث خطط العمل وأولوياته بشكل دوري».

إن المراكز الأولى التي تطمح دولة الإمارات العربية المتحدة أن تتصدرها دائماً هو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بقيادات وطنية خالصة، تعرف العاملين معها، وتنصت إليهم، وتشعر بشعورهم، وتفهم ميولهم، وتقدر جهودهم، وتمدهم بالمعلومات، مراعية مبدأ الفروق الفردية، تعتمد سياسة الباب المفتوح، والفكر المنفتح، وأن الحكمة ضالتها مهما كان مصدرها فهي أحق بها.

وإذا كان نهج قيادتنا الرشيدة يجعل من إسعاد الشعب غاية فإن قيادة القرن 21 تدرك من هذا المنطلق أن دورها يتمثل أولاً وقبل كل شيء في مساعدة الآخرين وتقديم الرعاية لهم، وهي بذلك لا تطرح أفكاراً وتطلب من غيرها أن ينفذها مرغماً، بل هي القادرة على التقاط الأفكار من غيرها وبلورتها وإعطاءها قوة الدفع القيادي، وتلك هي القيمة الحقيقة للقيادة المستقبلية، كما أنها القادرة على إيجاد بيئة مواتية لإطلاق الأفراد خبراتهم الشخصية، وإشاعة جو من التحدي بينهم، قيادة قادرة على العمل تحت ظروف استثنائية، ولا تخشى طرح المشكلات بل ترى أن الأخطاء هي طرق جديدة للتعلم وأن معرفتها بداية الوصول إلى الهدف مهما كانت درجة صعوبته ووعورة الطريق المؤدية إليه.

Email