لاءات الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عالم مضطرب، ومشهد مرتبك، ورؤى مشوشة، عالم غلب عليه منطق القوة وغاب عنه قوة المنطق، في هذه الحالة التي اختلط فيه الحابل بالنابل، تخرج الإمارات كشعاع من نور يهتدى به الناس، وبمرتكزات الخلاص من هذا المشهد الذي بات يصيب غالبية أبناء امتنا بالهم والحزن، هنا يعلو صوت الإمارات لتنادي من حولها أن أنصتوا إلى صوت العقل والحكمة، وأن لا تتعاملوا مع العرض دون المرض، إن هذا المشهد الذي لا تعاني منه أمتنا العربية فحسب بل العالم من شرقه إلى غربه، يرجع في الجانب الأعظم منه إلى حالة من الرغبة في إقصاء الآخر وعدم القدرة على قبوله أو الإنصات إليه، وحالة اللد في الكراهية النابعة من التمييز بين الناس على أساس من العرق أو الدين أو المذهب.

هنا تكون الإمارات حاضرة لتعلن عن لاءاتها وهي لا للتمييز لا للكراهية، وعندما تعلن الإمارات عن نبذ التمييز وجب أن ينصت إليها العالم من أدناه إلى أدناه، ذلك أن الإمارات تجربة قائمة وماثلة حين يكون على أرضها ما يربو على مئتي جنسية من مختلف بقاع العالم، لم يشعروا يوماً أن المفاضلة بينهم قائمة على العرق أو الدين، وحين تقول الإمارات لا للكراهية فهي متسقة غاية الاتساق مع واقعها، وصادقة تمام الصدق مع تجربتها، ذلك أن قصة الاتحاد ذاتها هي قصة الوحدة بديلة عن الفرقة، والمحبة بديلة عن التخاصم والتشاحن، والسلام بديل عن الصراع، ومصلحة الشعوب بديل عن مجد الأفراد، قصة الاتحاد هي قصة التعايش بديل عن إقصاء الآخر ونفيه، وهي قصة الأمل الماثلة عندما يسود التشاؤم بين الأجيال.

والإمارات في دعوتها لنبذ التمييز والكراهية لم تكتف بأن يكون ذلك عبر دعوات عاطفية، أو نداءات إنسانية، أو مواثيق شرف قد تختلف من مجتمع إلى مجتمع أو من حين إلى آخر، وقد يلتزم بها البعض أو لا يلتزم، ولكن تم ذلك من خلال قانون أصدرته القيادة الرشيدة، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كافة أشكال التمييز، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.

والحق أن الخطوط العريضة للقانون تسد باباً من أوسع أبواب الفتنة وأكثرها ولوجاً من هؤلاء الراغبين في سكب الزيت على النار، وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد أو بين البشر، في عالم تقاربت المسافات بين أفراده، غير أنه ضاقت نفوس بعضهم ببعض.

كما حظر القانون الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة، وهو بذلك يضع خطوطاً فاصلة واضحة جلية بين حرية التعبير وبين غياب العقل وموت الضمير ومسخ النفس والتطاول الذي يؤذي مشاعر الغير، فأكثر الفتن التي حدثت في عالمنا جاءت بين الخلط بين الحرية غير المسؤولة وبين ما يجب أن يلتزم به الفرد تجاه الآخرين، وهو الخطر الداهم الذي أشعل نار الفتنة في معظم المجتمعات، تلك النار التي لم تزل مستعرة في مناطق من العالم حولنا، كما أنه فتح الباب على مصراعيه أمام تجار الفتن لبث الفرقة والانقسام بين الناس، ولبث أفكارهم التي لا تنمو وتنتعش إلا في الأجواء الفاسدة ولا تطرب لها إلا النفوس العفنة التي لا تتربح إلا على نشر الفرقة بين البشر.

إن التعامل مع الإنسان كونه إنسان هو من أسمى معاني الإنسانية، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما مرت به جنازة وكان جالساً فقام واقفاً، فقيل له يا رسول الله إنها ليهودي، قال «أو ليست نفساً»، وكأني بالشيخ زايد رحمه الله يقتدي برسول الله حين طلبت بعض القبائل الأفريقية مد يد العون لإصلاح بعض شؤون حياتهم فلبى طلبهم، فذكر له بعض من حوله أنها قبائل غير مسلمة، فقال قولاً واحداً «إن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا وخلقهم، كلكم لآدم وآدم من تراب»، ذلك هو الفكر العاصم من كل بلاء، وتلك هي النفس التي أمرنا ربنا أن نزكيها من أدرانها ومن وحل الأرض.

إن غياب القانون، الذي يعيد الحق لكل من وقع عليه غبن أو تمييز أو اعتداء على دينه ومقدساته، يؤجج نار الفتنة والسلوك غير المنضبط، كما أن صنائع المعروف من شيم الرجال، والأمم العظيمة هي التي تنشر الخير في محيطها، والإمارات لم تكتف أن تبذل الخير على أرضها وفي محيطها بل حملت راية السبق وقالت لا للتمييز، لا للكراهية، لا للفتنة، لا للنعرات، لا للتفتيش داخل عقول البشر، لا للتحريض، تلك لاءات الإمارات التي رسختها بقانون سبقت به غيرها من أدعياء حقوق الإنسان التي لا يعرفون منها غير الاسم.

Email