في حب الإمارات.. شهيد وقانون ورد على افتراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

أستأذن من القراء الكرام وعلى غير العادة في هذه الإطلالة الأسبوعية أن أتناول أكثر من موضوع، لما تميز به أسبوعنا هذا من ملفات مهمة، تستحق التوقف عندها للتذكير بما يربط بينها جميعاً ألا وهو محبتنا وولاؤنا وإخلاصنا لهذا الوطن الحبيب المعطاء، وطن المجد دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة البيت المتوحد.

عن شهيدنا الذي حين عبس الخطب ابتسم

ليست مهمة سهلة أن تكون قريباً لشهيد، فالشهداء أكرم بني البشر وأنبلهم. وقد شرفنا الله تعالى نحن قوم بالهول الفلاسي أن اختار من بيننا شهيد الإمارات سيف يوسف الفلاسي، الذي قدم حياته في سبيل الله، دفاعاً عن حياض العروبة والإسلام، وحماية لمحيط دولته الاستراتيجي، ومجالها الحيوي.

والشهداء لا يموتون، بل يصمدون كالأشجار الواقفة، وحتى إذا سقطت أجسادهم تبقى أرواحهم محلقة تدافع عن أوطانهم ومصالحها، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران، 169)، وهكذا كان سيف بالهول، رحمه الله، قامة إماراتية شامخة في معركة العدالة وتلبية نداء الوطن في بطولته، وفي عنفوانه وفي شجاعته وهو يدافع حتى الرمق الأخير عن مصالح بلاده، وأعراض إخوانه المستضعفين في اليمن الشقيق. ولله دره، في شهادته، كأن الشاعر إبراهيم طوقان لم يعنِ غيره:

عبس الخطب فابتسمْ

                    وطغى الهول فاقتحمْ

رابط النفس والنهى

                     ثابت القلب والقدمْ

هكذا كان ابن الإمارات سيف يوسف بالهول الفلاسي في بطولته، مثلما كان قبله كل شهداء الإمارات من متصدر الركب سالم بن سهيل إلى عبد العزيز الكعبي قبله بأيام، لم يخش خوض المنايا، ولا غدر الصغار، ولا جبروت المتآمرين وشرورهم، لأنه آمن بالله الجبار القهار، الذي أمره مثلما أمر كل مؤمن أن يدافع عن دينه وأمته وعرضه ووعده بالجنان، جنان الخلد، إن قضى شهيداً! كأني بطلقات الغدر تنهال على جسد المقاتل الشاب.. بكل ما فيها من غدر وخسة، لكنه يواجهها بكل ما في قلبه من إيمان وصلابة كأنما كان يدرك أنه خط الدفاع ليس فقط عن تلك البقعة الجغرافية التي تواجد فيها، بل عن شعب شقيق كامل استضعفه الطغيان، وعن دولته وأمته من ورائها.

نفسُهُ طوع همةٍ

                    وَجٓمٓتْ دونها الهممْ

تلتقي في مزاجها

                    بالأعاصير والحممْ

تجمع الهائج الخضمْ

                      إلى الراسخ الأشمْ

وهي من عنصر الفداء

                     ومن جوهر الكرمْ

ربما لم تكن المعركة التي خاضها ابننا سيف في ليلته الأخيرة معركة ضخمة بالمفهوم المادي، لكنها بالمفهوم الوطني كانت أسطورة بطولة وملحمة فروسية لا تجارى، بين عملاق إماراتي كان الله معه، وبين أقزام لم يكن معهم إلا الباطل والغدر والخيانة! لحظتها كان سيف بالهول أعظم من المتآمر الصغير وميليشياته الطائفية البغيضة، وكانت إرادة الأمل، ونصرة المظلوم، وغوث الشقيق، أقوى من كل الرغبات التوسعية الآثمة! وكانت قطرات دم سالت من جسد رجل حر أطهر من بحار الدنيا، لأنها سالت في سبيل الله وفي سبيل الوطن!

أيُّ وجهٍ تهللا

يرِدُ الموت مقبلا

صعَّد الروح مرسلا

لحنه ينشد الملا

إنا للهِ والوطنْ

وها نحن اليوم ونحن نزف للإمارات شهيداً جديداً من المعدن نفسه الأصيل الذي احتضنه ثراها الطيب المبارك، فإنما نحتسب عند الله شهداء هذا الحمى الأصيل، ونذكر أنفسنا أن الأرواح ترخص في سبيل الله وفي سبيل الوطن، فالأحمر القاني لا يحلو إلا في الدفاع عن أطهر ما في الدنيا، هذا الوطن ومصالحه العليا، ولا ننسى أن نصرتنا لأشقائنا في اليمن جزء رئيس من الحفاظ على مصالحنا العليا!

إلى رحمة الله يا أخي سيف إلى رحمة الله يا أبا عبد الله مع الأنبياء والشهداء والصديقين وحسُن أولئك رفيقا.

قانون منع الكراهية ترسيخ لمنهجنا المتسامح

الخطوة الحكيمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإصداره قانوناً لمكافحة التميز والكراهية تمثل نقلة نوعية باتجاه ترسيخ منهج الإمارات في التسامح والمحبة والتعايش الودي، بعيداً عن أشكال الفرقة والضغائن والعداءات. والقانون في الوقت الذي يمثل فيه خطوة استباقية محمودة ضد التمييز والكراهية، فإنه يمثل كذلك سداً وقائياً منيعاً تجاه طيف واسع من المخاطر والفتن وغير ذلك من المآسي التي تنتج عن «مستصغر الشرر».

لكننا في النهاية نتحدث عن دولة الإمارات العربية المتحدة، أي دولة «البيت المتوحد» بإذن الله تعالى وفضله. وقد اتسم المجتمع الإماراتي بحمد الله وحتى قبل نشوء الاتحاد بميزة التسامح والتعاضد، وما نتج عنها من أمن وأمان بفضل الله ورحمته، لذلك أصبحت دولتنا محجاً لكثير من أمم الأرض التي وجدت في ديرتنا الأمن والأمان وحسن التعامل وخلق الرأفة والتآلف، ومخطئ من يظن أن الرخاء المادي هو السبب الوحيد في إقبال الناس على بلادنا، فالناس قصدتنا قبل النفط بكثير، بحثاً عن النفط الأهم، ألا وهو أخلاق الإماراتيين وتسامحهم.

وسواء كنا نتحدث عن العلاقة بين أبناء الشعب الإماراتي الواحد، أو بين الشعب الإماراتي وضيوفه المقيمين من مختلف الثقافات والديانات والحضارات، قدمت دولة البيت المتوحد أنموذجاً فريداً على مستوى العالم في الانصهار الأخلاقي، ضمن بوتقة أخلاق الإمارات، بحيث أصبح السلوك الطبيعي لمن يأتي للإقامة في الإمارات هو التحلي بأخلاقها والاندماج، ضمن منظومتها الأخلاقية من تسامح وتآلف وتنوع ثقافي وحضاري واحترام تبادل لثقافات الآخرين ومتعقداتهم، ضمن إطار النظام العام وتحت مظلة سيادة القانون.

واليوم، مع صدور قانون مكافحة التمييز والكراهية، نخطو بكل ذلك خطوة مهمة إلى الأمام، تهدف إلى بناء سور واق حول منظومتنا الأخلاقية وسلامنا الوطني وانسجامنا المجتمعي ضد كل ضلال وكل كراهية وكل تمييز وكل عدوانية وكل تفرقة وكل ما من شأنه أن يعكر صفو هذا المجتمع السالم المسالم.

وكم كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حكيماً وهو يؤكد في تعقيبه على صدور القانون بالأمس قائلاً: إن وحدة المجتمع وتماسكه والمساواة بين جميع أفراده من دون تمييز هي ضمان لاستقراره وسعادته، والفتن والجدل وإثارة الكراهية هي تفكيك له من داخله، مضيفاً سموه ،إن وحدة المجتمع وتماسكه والمساواة بين جميع أفراده من دون تمييز هي ضمان لاستقراره وسعادته والفتن والجدل وإثارة الكراهية هي تفكيك له من داخله.

وفي القراءة الموضوعية لهذا القانون، اسمحوا لي أن أذكركم بثلاث نقاط أساسية مهمة في التعاطي مع هذا القانون وتطبيقاته المختلفة:

فأولاً، نحن أمام واقع قانوني جديد سيؤدي إلى نشوء فقه قانوني وقضائي جديد في ما يتصل بالجرائم الموصوفة في القانون. ومع ثقتي أن الجهات المختصة ستعد الأدوات القانونية اللازمة لتطبيقه، إلا أن المهمة الكبرى ستكون على عاتقنا نحن المواطنين والمقيمين، التي تتمثل في الإبلاغ عمن يرتكب أياً من جرائم التمييز والكراهية والاستعداد للشهادة ضده أمام المحكمة.

إن الأهداف النبيلة لهذا القانون لن تكتمل ولن تنجح إلا إذا تعاملنا نحن كوننا أفراداً بمستوى المسؤولية المطلوبة نفسها من الهيئات القائمة على إنفاذ القانون، وعلينا أن نتذكر أن أي جريمة كراهية أو تمييز إنما تقع في المقام الأول ضدنا نحن كوننا مجتمعاً وأفراداً في هذا المجتمع، ولذلك فالتصدي لها واجب على كل واحد منا، مواطناً كان أم مقيماً.

القانون يحمينا، ولكن علينا أن نقوم بدورنا. وثانياً، الحمد لله رب العالمين، نحن مجتمع متسامح ومتماسك، بمعايشتنا لذلك أولاً وبشهادة المجتمع الدولي ثانياً. وعلينا هنا أن نتذكر أن صدور هذا القانون تعبير عن قوة تماسك ووحدة هذا المجتمع وتآلفه وتآزره. وكما أسلفت، فالقانون يهدف لبناء سور واق حول منظومتنا الأخلاقية، ولكنه لا يلغي الخصوصيات التي احترمتها دولتنا وقامت على احترامها.

ولذلك فإنني أنصح الجميع بقراءة القانون بشكل جيد، حتى لا نقع عن حسن نية في ما لا تحمد عقباه. وأنصح الجميع بتجنب التفسيرات الارتجالية والمزاجية لمواد القانون، فالتفسير الوحيد المعتمد هو التفسير الرسمي وليس مزاج فلان أو ما راق لعلان.

أما ثالثاً: إنني أدعو الوزارات المختصة، بما فيها وزارتا الداخلية والعمل، إلى تقديم حملة تعريفية شاملة بالقانون الجديد وخاصة للمقيمين والزوار، ولا ضير من ترجمة مواده لأكثر من لغة من اللغات التي يستخدمها المقيمون (كالإنجليزية والملايام والأردو)، وذلك لكي نتجنب انتقال الحساسيات الوافدة أياً كانت، ولكي يكون الجميع على وعي بأخلاق الإمارات وقوانينها، وأن ما يصح في بلدانهم الأصلية من تشاحن وبغضاء لا مجال لقبوله في دولة البيت المتوحد.

وأدرك هنا أن جزءاً كبيرًا من المهمة يقع على عاتق زملائنا المسؤولين المواطنين في الصحف المحلية الناطقة باللغات الأجنبية ونثق أنهم سيقدرون حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم.

ويبقى أن «دولة الإمارات» هي أغلى ما نملك، وهذا القانون لبنة جديدة في حفاظنا على هذا الغالي، لذلك لا يجوز التفريط فيه. ودعونا نقول معاً: لا للتميز، لا للكراهية، نعم للإمارات.

افتراءات هويدي و«تلك أمانيهم»

ليست هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها المدعو فهمي هويدي جهله وسطحية معارفه، فالواقع يقول، إن هذا أمر ثابت في كل مقالاته، خاصة بعد أن تحول في السنوات الأخيرة إلى كاتب نقطة، تأتيه النقاط مجتزأة مكتوبة على «نصف ورقة» فيكتب حولها مقالاً عرمرياً لا يسمح له جهله حتى بتصويب ما فيها من أخطاء في المعلومات أو في الأسماء، كما ورد في أكثر من موقع في مقالته الأخيرة التي افترى فيها على الإمارات.

وفي الوقت الذي تبدو فيه النقاط مترابطة ضمن تسلسل ممنهج، بدأه بالتهجم على المملكة العربية السعودية الشقيقة، ثم تلاه بالتطاول على الدولة، يمكننا أن نقرأ بوضوح إلى أين تتجه بوصلة هذا الأفّاق الأشر.

لكن أكثر ما يكشف الحاقد هو حقده ذاته. ولذلك فإن أبلغ رد على افتراءات المدعو فهمي هويدي ومن وراءه هو في القراءة المتأنية لمقالته التي تقول لنا الكثير عن حجم أحقادهم وأمانيّهم ضد الدولة واتحادها ووجودها. واسمحوا لي أن أعيد قراءة المقالة لكم لنكتشف معا حجم الحقد المستتر فيها على الدولة وحاضرها ومستقبلها.

فهو في البداية يحاول أن يفصل بين السياسة الخارجية والأمنية (لإمارة) أبوظبي، وبقية (الإمارات). والسؤال هو متى سمعتم عن دولة اتحادية لها أكثر من سياسة خارجية وأمنية؟ فأبوظبي لا تتخذ القرارات باعتبارها (إمارة) ولكن باعتبارها (عاصمة) دولة الاتحاد. لكن ما المراد من الحديث عن سياسات؟ تخيلوا ماذا يعني وجود أكثر من سياسة أمنية وأكثر من سياسة دفاعية، حسب كل إمارة؟ هل هذه هي الأمنية الحقيقية لفهمي هويدي ومن وراء فهمي هويدي؟

ثم هو يطرح تساؤلاً على طريقة السم المغلف بالدسم: لماذا تكافح الإمارات التطرف والإرهاب وهي ليست ضحية له؟ وعدا عما في هذا السؤال من جهل بالوقائع، وتجاهل لمبدأ بدهي هو الأمن الوقائي، فإنه يخبئ تمنياً غريباً، فهل المطلوب أن تنتظر الدولة حصول أعمال إرهابية على أرضها، لا قدر الله، لكي تبدأ بعد ذلك بالتحرك أم أن (الأخ ....) فهمي يحرض بأسلوب مستتر على مثل هذه الأعمال؟ ما المطلوب بالضبط يا من كتبتم النقاط لفهمي هويدي؟

ثم يواصل جهله بترداد المعزوفة الإخوانية التي تزعم أن الإمارات «دخلت في مواجهة واسعة النطاق وحامية الوطيس مع جماعات الإسلام السياسي خصوصاً بعد الربيع العربي»، متجاهلاً أن الإمارات ليست من بدأ المواجهة، فالذي بدأ بالعدوان معروف وهو هذه الجماعات، وما فعلته الدولة لم يكن سوى الدفاع المشروع عن النفس، لكن الأخطر هو محاولته الفصل بين «مواجهة الإسلام السياسي»، و«مكافحة الإرهاب» وهذه لعبة بروباغندية تكررت كثيراً في السنوات الأخيرة هدفها تصوير دولنا (وفي مقدمتها الإمارات) بأنها هي المعتدية حين تحركت لردع جماعات الإسلام السياسي (البريئة جداً....!)، ومتجاهلين حقيقة العلاقة الوظيفية والعضوية بين تنظيمات الإسلام السياسي والإرهاب، والأمثلة تملأ صفحات من هذه الجريدة.

وفي إصرار غريب على الحقد الدفين، يتجاهل هويدي كل ما تقدمه الإمارات من دور إنساني زاعماً أنها « تكثف الإنفاق على ما هو

سياسي على قلة مردوده، في حين أن ما هو إنساني على أهميته البالغة في العالم العربي لا نكاد نرى له حضوراً يذكر». ولا أعتقد أن هذه الجملة وردت سهواً أو جهلاً، بل عمداً، فمن يريد أن يعرف دور الإمارات الإنساني يكفي أن ينظر لمساعداتها في مصر سواء قبل 30 يونيو أو بعدها أو كونه حداً أدنى خلال شهر رمضان الفضيل.

لكن ما يريد هويدي قوله هنا هو استعداء الناس على مساعدات الإمارات بحجة أنها مساعدات لها أهداف سياسية، وقد سبق أن شاهدنا أنواعاً كثيرة من هذا التحريض ضد مساعدات الإمارات على وجه الخصوص من قبل عصابات الإسلام السياسي نفسها التي يروج لها «السيد» هويدي. ولا نستبعد هنا أن يكون التحريض نفسه هو الذي وقف وراء الهجوم الإرهابي على قافلة إغاثة إماراتية في الصومال الشهر الماضي، فهل هذا هو ما تقصده حقيقة يا «سيد» هويدي خاصة مع اشتداد موجة الإرهاب في مصر؟

وهذه النقطة الأخيرة أوجهها مع التحية كونه بلاغاً إلى وزارة الداخلية المصرية، خاصة أن برامج المساعدات الإنسانية الإماراتية في مصر اليوم هي الأكبر من بين كل الدول، فهل توصيفها سياسياً يعتبر تحريضاً من فهمي هويدي عليها أم ماذا؟

Email