عندما يرحل الفرسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثناء المرور بخطوط الشوارع الرئيسية، تلفتنا تلك الخدمة المجتمعية التي قامت بها بلدية دبي مشكورة، بوضع إشارات مكتوبة بطريقة واضحة ومرتبة تقود السائلين المعزين إلى منزل من فقد أحد أحبابه.

تأخذنا الطرق والمنحنيات إلى عزاء الروح قبل القلوب.

توقفنا عند أبواب لم نستدل عليها في طيب الأيام، ربما قل ما طرقناها بحجة ضيق الوقت وقصر الزمان، وربما طُرقت ولا مجيب منها ولها، والأكثر إيلاما حين نكون نحن من هجرناها باعتياد، فيما وصلنا أصحابها، بكرم من الله عليهم بحسن المعشر، ولتمام جمال قلوبهم.

في سالك الطريق..

تصغر الدنيا فلا تكبر، وتقصر فلا تطول، وتقسو فيضيع حنانها، ولا يبقى إلا حسن الظن برحمة خالق تلك الروح، أودعها أمانة لبعض الوقت، تتعارف وتتآلف وتلقى ما تلقى بقدر مكتوب، ومن ثم يُرسل خالقها من يعيدها إلى مأواها المؤقت بحساب من عنده، على أن يكون اللقاء في عالم لا شقاء فيه ولا كدر، في جنة عرضها السموات والأرض عند مليك مقتدر.

الأحزان تبدأ كنقطة صغيرة وتكبر، إلا حزن الموت يبدأ كبيرًا ويصغر، بحكمة من الله الرحيم برحمته التي وسعت كل شيء، فهو أعلم بأن أعظم ما يضني ويدمي قلوب عباده فراق أحبابهم، هو أكبر من احتمالهم، فلا طاقة لهم به، ولا ملجأ لهم إلا الله، بالدعاء والصبر والاحتساب إليه فقط هو سبحانه وتعالى.

حين يؤذن مؤذن الفراق، فلا وقت يُعَجّل، أو أيام تسنح لإعادة الحقوق لأصحابها، أو توبة من عقوق الآباء بطلب الصفح منهم والإحسان إليهم، ولا مسح مرارة دمعة الجدات إن انفضت أعمارهن، ولا ترميم جسر محبة هدم، أو إيصال رسالة ضلت طريقها في زحام الحياة. معظمنا فقد أحبابا له، كانوا ينيرون المكان ولا تحلو أيامنا إلا بضوء شموعهم، أولئك الأحبة أعمدة في حياتنا، فإن هوى عمود وانكسر ثقلت مسؤولية الحمل على باقي الأعمدة.

لا نعرف قدر أحبابنا إلا حين تأفل نجومهم، و

ترحل الأعمار وترحل القلوب معهم.

ليتنا كنا نعرف بأن هذه الابتسامة الصبوحة قرب خفوتها ودنا صمتها..

لربما كنا قبّلنا تلك العيون وأخذنا بأهداب جواهرها ودثرناها بلب أرواحنا..

ليتنا كنا نعلم غيب أصحاب القلوب الحنونة والنصائح الذهبية التي توزع بلا مقابل أن سفنهم قاربت الرحيل..، فلو كانت تلك النصائح الصافية النقية تباع في دكان العطارة لغلت أثمانها.

لو كانت الحياة تُشترى لمن هم "أرواحنا" على الأرض لرخص الغالي والنفيس، ولكن حكمة الله في الأرض بأن لكل بداية نهاية، وأن الأرض يورثها لمن يشاء.

حين تهوي ورقة العمر لا تستأذن السقوط، تسقط بصمت مترام كصمت جمال روحها الطاهرة.

اللّهم ارحم أرواحا أحببناها وسكنتنا، وكلما طال أمد فراقها زادها منا قرباً ومحبة ودعاء لها بباب تهب منه نسائم الجنة ورياحينها.

اللّهم ارحم من رحل عنا بجسده وتخلدت أعماله، والدنا الشيخ زايد طيب الله ثراه، غادرنا إلى جوار ربه راضياً مرضياً في مثل هذه الأيام المباركة من شهر الرحمة.

اللهم ارحم فارساً ترجل، أقبل عليك ضيفاً في ليلة الجمعة من أواخر شهرك الكريم الأمير سعود الفيصل.

اللّهم ارحم أرواحاً فارقتنا إليك ولم تسعد بصوم شهرك الكريم فاكتب لهم رمضان أجمل بعيد أجمل في جناتك وأنت الكريم.

Email