تصفية المصطافين وقتل المصلين !

ت + ت - الحجم الطبيعي

الردع النفسي هو ما يحول في الغالب بين المجرم أو الإرهابي وجريمته، فإذا ما تجاوز هذا العامل يصبح الطريق أمامه مفتوحا لتنفيذ جرائمه.

الردع النفسي قد تكون أسبابه ذاتية كضعف الطرف المنفذ أو قلة حيلته أو تردده فيدرك أن ما هو مقبل عليه عمل فاشل لا محالة، وقد تكون أسبابه موضوعية ترتبط بقوة الطرف الآخر واستحكام إجراءاته وحصونه الأمنية التي قد تحول دون نجاح أي عملية جنائية أو إرهابية.

أما إذا تغلب المنفذ على هذه الحواجز النفسية وقرر القيام بجريمته بشيء من التخطيط وحسن التدبير ففي الغالب يكتب له النجاح لأنه أخذ زمام المبادرة.

وأغلب الظن أن أصحاب المبادرة والمباغتة هم الذين يحققون الانتصار.

وقد يفسر ذلك أسباب نجاح المتآمرين واللصوص والقتلة والأشرار عموما في تحقيق أهدافهم الإجرامية الفردية والجماعية بينما الأهداف النبيلة قد تموت في مهدها، والسبب أن أصحاب الطائفة الأولى غالبا ما يبادرون بتنفيذ مؤامراتهم. أما أصحاب الفئة الثانية الذين ينتظرون من يحمل أحلامهم الوردية لوضعها موضع التنفيذ فهم غالبا من الرومانسيين الذين قد تموت أفكارهم وأحلامهم قبل أن ترى النور فقط لأنهم ليسوا أصحاب مبادرة، والإرهابي أخذ زمام المبادرة فكان الفاعل وحقق ضربات موجعة ومؤلمة، بينما الطرف الآخر اكتفى برد الفعل وانتظار التنفيذ حتى يتحرك فتبدأ أولا حملات الإعلام الضخمة والمركزة رفضا للإرهاب الأسود والإجرام الخسيس.

وحقيقة الأمر أنها أوصاف في محلها ولكن المؤسف في الوقت ذاته أننا لم نعرف يوما إرهابا أبيض ولا إجراما نبيلا! ثم تنطلق التهديدات بالثأر من القتلة والوعود باقتلاع الإرهاب من جذوره، ولكن المنهج ذاته يستمر وتتكرر الضربات لأن المطلوب بالفعل حلول وبرامج غير تقليدية تقوم على المبادأة والمبادرة لدحر الإرهابيين في معاقلهم وقبل أن ترى عملياتهم النور بما يسمى بالضربات الاستباقية أو العمليات الإجهاضية.

التلاحم دوما هو المطلوب لتفويت الفرصة على الإرهاب والإرهابيين وسعيهم لإحداث ثغرات ينفذون منها لإشاعة الفتنة .

وعلى سبيل المثال وبرغم كل ما يمكن أن يقال عن تقصير أمني أو سياسي أو تخطيطي أو إداري أو أي شكل آخر من أشكال التقصير فيما يتعلق بجرائم اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات والهجوم على القوات في سيناء الأسبوع الماضي إلا أن الأمة المصرية - والعربية أيضا - أحوج ما تكون في هذه اللحظات العصيبة والخطيرة إلى رص الصفوف والتكاتف على كل المستويات .

ويبدو أنه قد عز على القوى الخارجية المتآمرة أن ترى الدولة المصرية وقد وضعت أقدامها على بداية الطريق الصحيح مع بزوغ ملامح انتعاشة حقيقية وتحسن أمني لا تخطئه العين. وفي هذا السياق لنتأمل الولايات المتحدة عشية هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 ,لم يتطرق أحد إلى الحديث عن تقصير أمني أو فشل مخابراتي وإنما تركز الحديث عن ضرورة وحدة الأمة الأميركية في مواجهة الخطر الجسيم الذي تتعرض له.

ويجب أن ندرك جميعا أن البديل لما نحن فيه الآن هو السقوط ذاته. فإذا كنا قد اخترنا طريقنا فعلينا أن نتحمل بعض الخسائر وبعض الأضرار لبعض الوقت حتى نتخلص من تلك الجراثيم التي تنغص علينا حياتنا. فالبقاء بشيء من الخسائر أفضل بكثير من الفناء التام.

فلا يزال مئات الملايين من العرب والمصريين يذهبون صباح كل يوم إلى أعمالهم. أبناؤنا يتدفقون بعشرات الملايين على المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية وأيضا على النوادي والمتنزهات، ولا تزال عشرات ملايين السيارات والمركبات مختلفة الأحجام والأشكال والألوان تجوب شوارع العواصم والمدن والقرى والكفور والنجوع العربية يوميا في مهام مختلفة ومتنوعة في تعبير صريح وواضح عن حب البقاء.

لا تزال الأرض تعطينا خيرها من الزروع والمصانع تمنحنا إنتاجها من احتياجاتنا اليومية والمنتجعات السياحية تستقبل ملايين السياح سنويا. كل هذه الأشياء تستحق أن ندافع عنها في ظروف بالغة القسوة.

فلا مجال لجلد الذات حتى مع الرفض التام لمظاهر التقصير التي تحتم علينا مزيدا من العمل والتدريب والكفاءة القتالية. ففي مواجهة من يرفعون السلاح لا حديث عن قوانين أو قرارات وإنما حملات مستمرة ليل نهار لاقتلاع الإرهابيين من جذورهم وللخلاص منهم في مواقعهم وقتل مخططاتهم حتى وهي مجرد أفكار في رؤوسهم. فالمعركة طويلة ومرهقة وتحتاج إلى أفكار تقوم على المبادرة والفعل وليس رد الفعل.

Email